العبارة في الإشارة

TT

هناك آراء شديدة التطرف لا تزال تعتبر الفنون والأدب «لهو» لا فائدة منها ولا رجاء فيها، مع أن هناك أمثلة وأدلة بالغة الدلالة والأهمية تدحض هذه المقولة جملة وتفصيلا. وفي هذه الأيام شهدت العاصمة السعودية «الرياض» حدثين ثقافيين بالغيْ الأهمية، وهما مهرجان الجنادرية للثقافة والفنون ومعرض الكتاب الدولي. ولم يعد غريبا متابعة تطورات مهرجان الجنادرية بفقراته اللافتة وضيوفه البارزين وعروضه الفنية المتألقة، بل باتت هذه المناسبة علامة رئيسية في رزنامة المناسبات الكبرى، وسنويا هناك «جرأة إبداعية» واضحة في التعاطي مع المواضيع وقراءة ما بين السطور في رسائل كل دورة من دورات الجنادرية وأوبريت «شموس الوطن»، الذي كان ضمن مهرجان هذا العام، كان مليئا بالإشارات اللافتة، التي توضح النهج والرؤية الجديدة للبلاد. معرض الكتاب هو الآخر لا يزال يثير الحراك والجدال في مشاهده المختلفة عاكسا حال البلاد، ما بين الرغبة في التنمية والتطور والإصلاح والتغيير، والحذر والخوف من كل ذلك، وينعكس ذلك على «نوعية» العناوين المفسوحة ودور النشر المشاركة والعكس أيضا. هذه المناسبات وغيرها تساهم في صناعة ضمير البلاد وتشكل وعي المواطن فيه، إضافة إلى تحسين وتطوير الحس الوطني المسؤول فيه. وهناك العديد من الأمثلة الموجودة في التراث من مساهمات أدبية وفنية، التي تؤكد صدق هذه المقولة. فلا يوجد مصري لا يستشعر أهمية أغنية سيد درويش وهو يتغنى بوطنه «بلادي بلادي» حتى تحولت إلى النشيد الوطني بها وباتت أيقونة المواطنة فيها. وفيروز وهي تتغنى بحب لبنان وأرزه تركت أثرا وطنيا يفوق ما قدمته كل القيادات والأحزاب السياسية مجتمعة، لأن طرحها كان مجمع غير مفرق ومن القلب. وهناك العديد من الأفلام والملحمات والكتب الوطنية التي قدمت نماذج مبهرة عن الانتماء والفداء والتفاني بصيغ جميلة وواقعية. وفي السعودية نفسها هناك وعي وإدراك لدى طبقة محددة عن ما قدمته الأغنية من مساهمات في تزكية اللحمة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد وتقريب اللهجات المختلفة في لهجة واحدة «بيضاء»، فالأغنية في بدايتها كانت تحمل صيغة اللهجة الحجازية، وبعدها دخل الشعر النبطي ملحنا ومغنى، وانتشرت اللهجة النجدية بصورة غنائية جميلة، واليوم هناك مفردات «وطنية» انتشرت عبر الغناء بات يفهمها كل سعودي أيا كان موقعه ومنشؤه، وهذا لعمري تزكية عملية للروح الوطنية. ناهيك بطبيعة الحال عن مساهمات الأغنية والعمل الدرامي في تعزيز روح الانتماء للكيان الوطني الجامع الموحد بين أبناء الوطن الواحد. النظرة المتحفظة التي كانت تشكك في أهمية المهرجانات والمعارض الثقافية آخذة في التغير وإعادة النظر في مواقفها، واليوم ستكون السعودية مع موعد جديد «قريب جدا» مع المسرح والسينما بصورة رسمية وواضحة ومرخص لها بلا أي ريبة وشك، وهي كلها مجرد وسائل وليست أكثر، تقدم فيها الأعمال النافعة والمفيدة التي تغذي العقلية السوية وتحقق الأهداف النبيلة المنشودة. أو تكون مجرد وسائل ترفيه بريء وليست أكثر. وكل هذه المآرب حميدة مطلوب تحفيزها وتشجيعها ودعمها. الفن والأدب عنصران إيجابيان لأي مجتمع سوي. وآن الأوان «للتعامل» معهما بجدية، بدلا من معاداتهما بجهل وخوف.

[email protected]