خطة إنقاذ للصحف؟

TT

في الوقت الذي ترد فيه كل يوم أخبار جديدة عن صناعة الإعلام المتعثرة، ربما ينظر الصحافيون الأميركيون في قلق إلى فرنسا. فلطالما ساعدت الحكومة الفرنسية الصحف المتعثرة في البلاد، والآن يريد الرئيس نيكولا ساركوزي أن يتمم الصفقة بخطة إنقاذ تبلغ تكلفتها 600 مليون يورو (حوالي 765 مليون دولار). ويشمل عرضه مضاعفة مساحة الإعلانات الحكومية في النسخ المطبوعة وعلى الإنترنت، وتخفيضات في الضرائب لخدمات التوصيل، واشتراكا مجانيا لمدة عام للمراهقين في عيد ميلادهم الثامن عشر. ولكن بينما تبدو خطة إنقاذ الصحف جذابة، فإن مغامرة ساركوزي ليس من المرجح أن تحقق خروجا مربحا.

وعلى النقيض من الصناعات الأخرى التي تضررت بشدة من الأزمة الاقتصادية العالمية، التي رأت الحكومة أنه من المناسب التدخل لإنقاذها، إلا أن حالة الاضطراب التي تشهدها الصحف بدأت قبل هبوط الأسواق بفترة. ومن المؤكد أنه في صناعة تأتي 80 في المائة من أرباحها عن طريق الإعلانات، تسبب تراجع أموال الإعلانات في إلحاق أضرار بها. ولكن تتطلب مشكلات الصحف في فرنسا، وأي مكان آخر، أكثر من مجرد ضخ الأموال. وسيؤجل تدخل ساركوزي فقط إعادة التفكير الاستراتيجي الذي يجب أن يتناول مشكلة الأرباح المنخفضة والمشكلات الهيكلية التي من غير المرجح أن تصلح ذاتها بذاتها وسط محاولة تحقيق استقرار الاقتصاد العالمي.

وفي الوقت ذاته، ربما تكون خطة ساركوزي بتوصيل الصحف إلى يد كل من يبلغ من العمر 18 عاما أسلوب علاقات عامة جيدا، ولكن ليس من الممكن أن يغير من هجرتهم إلى الإنترنت. وإذا لم يكن المراهقون يقرأون الأخبار بالفعل، فالسبب ليس أنهم لا يجدون سبيلا إليها. إنها هذه الجماعة التي تقضي معظم وقتها على الإنترنت، حيث لا يبدو لمجانيته فترة انتهاء صلاحية. وهي أيضا المجموعة التي اعتاد أفرادها على تحديد كيفية استهلاك الأخبار، من أين وبأي ترتيب وبأي قدر من الحماس. وليس من المحتمل أن يرحب هؤلاء «المواطنون الرقميون» بنموذج «ستأخذ ما نعطيه لك» في الصحافة المطبوعة. وبالإضافة إلى ذلك، ألن يشجع هذا الآباء على إلغاء اشتراكاتهم وقراءة صحف أبنائهم المجانية؟

وحتى إذا تم تناول هذه المسائل، ربما تصرف خطة ساركوزي بالفعل، عن غير عمد، قراء الصحف وتزاحم أموال الإعلانات. ويعوق الاعتماد على إعانات الحكومة الاستقلال الذي يمنح للمؤسسات الإعلامية سلطتها. ولا يستطيع القارئ أن يثق في صحيفة يبدو أنها تحصل على دعم من الحكومة وتساعدها في المقابل. وكما كتب فيليب ماير، مؤلف كتاب «الصحيفة المتلاشية»، يتحول فقدان الثقة إلى فقدان القيمة الاقتصادية. وقدم ماير وثائق على أن الصحف التي يصنفها القراء بأنها أجدر بالثقة تستطيع أن تطلب أسعار إعلانات مرتفعة وتكون أكثر مقاومة لانخفاض نسب توزيعها.

لذا ما الذي يحقق نجاحا أفضل من خطة الإنقاذ؟ سيكون من الضروري إعادة التفكير الاستراتيجي بشأن نموذج العمل القائم وفرص الإصدار متعدد البرامج. وكذلك من المهم أيضا الاستثمار في غرفة الأخبار. وغالبا ما كانت الصحافة الجيدة تعتبر على نحو غير صحيح باهظة للغاية ومتماشية مع حد أدنى صحي. ولكن تصنع الأخبار الجيدة عملا تجاريا جيدا. وبالعودة إلى عام 1993، حذر مدير تحرير «نيويورك تايمز» جين روبرتس ذات مرة، من أن تقليص المضمون سيجعل الصحف عرضة للخطر بجعلها أقل ضرورة للقراء المخلصين. وفي الحقيقة، ربطت دراسة أجرتها جامعة ميسوري عام 2004 على 1400 صحيفة تخفيض نفقات غرف الأخبار بالتوزيع وخسارة الأرباح، وهو ما يؤدى بالطبع إلى المزيد من التخفيض في النفقات.

وقد كتب رئيس التحرير التنفيذي السابق في «واشنطن بوست» ليونارد داوني جونيور، ومساعد رئيس التحرير روبرت كايسر في كتابهما الأخير «أخبار عن الأخبار»: «من الصعب إقامة مؤسسة إخبارية كبرى، ومن المؤسف أنه من السهل تفكيكها». ونظرا للطبيعة الزئبقية التي تتميز بها صناعة الصحف اليوم، يبدو هذا التصريح ذا مظهر وجودي. وربما يكون للإنترنت تأثير أكبر بكثير على الأرباح، ولكن يجب أن تحافظ الصناعة على أعمدتها المهيبة: الثقة والصحافة الجيدة. وبينما تستمر الصحف في التفكير بجدية في كيفية تشكيل هذه القيم وفقا للتغيرات المستقبلية، تظل أموال ساركوزي الـ600 مليون يورو تذكرة لمدى اقتراب خط النهاية.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»

* مخرج في موقع «واشنطن بوست» على الإنترنت