سجل المأذون يكشف أسرار المدينة!

TT

للمجلات شيء من خصائص البشر، فثمة مجلات رزينة وقورة، وأخرى طائشة متهورة، منها المرحة خفيفة الظل، ومنها المتجهمة ثقيلة الدم، منها التي تشتاق لرؤيتها، ومنها التي يشبه حضورها غيابها، ومجلة «جدة» التي تصدر عن أمانة المدينة لها من اسمها نصيب، فهي تشبه مدينة جدة في انفتاحها، وحداثتها، وخفة ظلها، فصفحاتها أشبه بمتاجر أسواقها، تفوح منها رائحة التاريخ، وعطر الزمن، وتتداخل فيها الأصالة والحداثة على نحو جميل، وبديع، ومؤتلف، كل ذلك جعلها الضيف الجميل، الذي ينتظر عند مولد الشهر.

في عددها الأخير فاجأتني المجلة كما فاجأت الكثيرين من أسر مدينة جدة بانفرادها بموضوع يتسم بالتشويق والإثارة والدهشة، إذ حصلت المجلة على نسخة من سجل الأنكحة لأشهر مأذون شرعي في حينه، وهو المرحوم الشيخ صالح قنديل، والد الأديب المعروف أحمد قنديل، ويرتقي هذا السجل الذي عمر صفحاته الأولى أكثر من 80 عاما في أن يكون مرجعا من أهم مراجع العلاقات الاجتماعية لسكان هذه المدينة، ومن خلال قوائم الزواجات التي ربطت الأسر ببعضها، يمكن القول إن كل أو جل سكان هذه المدينة القدامي تربطهم صلة رحم، وعلاقات مصاهرة عمقت وشائج القربى، والألفة، والمودة بين سكان المدينة، التي كانت تعيش أحياؤها حالة دعة وسكون داخل السور العتيق، قبل أن تتمرد جدة في عقد الأربعينات من القرن الماضي لتتمدد شمالا، وجنوبا، وشرقا، وتدير وجهها للبحر من جديد.

إن الموضوع الذي وفره هذا السجل للمجلة، والذي بدأت في نشر حلقته الأولى، تتراقص من بين سطوره أفراح المدينة، ولياليها الملاح، حتى ليخيل إليك أنك تستمع إلى موشحات «الصهبة»، و«زواميل» المزمار، و«مجسات» المغني في برحات المدينة العتيقة، وقد انسكبت الزغاريد من الرواشن لتموسق إيقاعات موكب العريس، وهو يعبر الدروب، إنه سجل يكشف أسرار المحبة، والتكافل، وانصهار الناس في بوتقة المدينة.

حقا لقد نجح الزميل سامي عباس خميس، رئيس تحرير مجلة جدة في تقديم مجلة من أبرز صفاتها الجمال، الذي يرافقك من صورة الغلاف، التي تشكل في الغالب لوحة جمالية التقطتها عدسته، أو انتقاها بذائقته الفنية إلى مختلف الصفحات المتميزة إخراجا، ومضمونا، وقد أحسن المهندس عادل فقيه، أمين المدينة، والمشرف العام على المجلة صنعا في رسم هويتها لتكون مجلة «مدينة» لا مجلة «أمانة»، وكان ذلك من أهم أسرار نجاحها، وانطلاقتها، وانتشارها رغم عمرها الزمني القصير. ولهذه المجلة التي أتمنى أن تغدو مع الأيام علامة من علامات هذه المدينة، ومعلما من معالمها تهنئة بالنجاح، وأمنيات باستمراره.

[email protected]