في المسألة الحذائية وآثارها

TT

منذ أن استخدم صحافي عراقي فردتي حذائه للتعبير عن موقفه من جورج بوش، تحوَّل الحذاء العربي إلى رمز سياسي رفيع، يمكن الاستعانة به عند الحاجة، بدلا من رفع شارة النصر، التي أصابها التكرار والملل. لقد أراح خلع الحذاء، بفردتيه، شعورا قديما بالضيق. وبعد الشعور بالابتهاج الذي عم الجماهير العربية، وهي ترى صحافيا يرمي الفردة بعد الأخرى، قرر أهل الأكاديميا إدخال موضوع الحذاء - بالجمع أو بالمفرد - في دراسات العلوم السياسية العليا: مقدمة في تاريخ صنع الأحذية، تمهيد في أحوال استخدامها، وخلاصة في انعكاسات ذلك على الوضع العام ونفسية الأجيال.

لكن عراقيا ظريفا قال إنه من أجل توحيد سياسة الحذاء يجب أولا توحيد المصطلح. فالعراقيون يسمونه قندرة. والتونسيون يسمونه صباط. واللبنانيون يسمونه قندرة وصباط أيضا. وأهل الخليج يعرفونه بالنعل. وإذا خفَّ سمي خفَّا كمثل خفَّي صاحبنا حنين. والمصريون والسودانيون يسمونه جزمة.

لذلك قال الرئيس عمر البشير إن المدعي العام الدولي والمحكمة وقضاتها «تحت جزمتي». ويشكل ذلك منعطفا، أو فلنقل «خطوة» جديدة في الخطاب السياسي، كان قد قدَّم لها بعبارة «لحس الكوع» ثم بدعوة هذا «الأرنب» أوكامبو إلى غلي المذكرة وشرب «زومها». ولا شك في أن المؤرخين سوف يتوقفون طويلا عند هذه المرحلة من التاريخ العابق بالانتصارات الدولية.

ثمة تقليد قديم في الدول العربية يقضي بالإفراج عن السجناء في المناسبات السعيدة. وفي مناسبة الانتصار على «الأرنب» الأرجنتيني أعلن القضاء السوداني السعيد الإفراج عن الدكتور حسن الترابي، المعتقل في طلاوة وطراوة سجن بورسودان.

لماذا الإفراج عن الدكتور الترابي؟ الأكيد أنه لا يعرف، لأنه لا يعرف لماذا اعتقل، ولأنه نسي كم مرة اعتقل، وكم مرة أفرج عنه حتى الآن. لكنها مناسبة سعيدة في أي حال. وأسباب الاعتقال مثل أسباب الإفراج، تفاصيل ثانوية لا قيمة لها.

الحقيقة أن السبب الأول لهذا الانفعال من قضاء «الأرنب» الأرجنتيني، هو الثأر لكرامة القضاء العربي عامة والسوداني خاصة. اعطوني مرة واحدة لم يعتقل فيها الترابي أو الصادق المهدي بموجب مذكرة توقيف رسمية. سموا لنا محكمة عربية واحدة لم ترفع شعار العدالة. أو سموا لنا قاضيا واحدا رفض التوقيع على الأمر الصادر عن قائد الشرطة. وبناء عليه فإن قضاة المحكمة الدولية وموظفيها وشهودها و«أرانبها» تحت «جزمة » البشير. كخطوة أولى.