أبو تمام وليس المتنبي

TT

كان من عادة طه حسين عميد الأدب العربي في محاضراته أن يدخل متعلقا في ذراع سكرتيره السيد فريد شحاتة. ويظل طه حسين حاني الرأس حتى يتوقف الهمس في قاعة المحاضرات. وبعد ذلك يبدأ بصوت هادئ موسيقي. له إيقاع خاص وله نطق خاص لبعض العبارات وقد ترك طه حسين عددا كبيرا من تلامذته يتكلمون مثله تماما..

وقد كانت إحدى المحاضرات عن الشعر في العصر العباسي. وبعد لحظات من المحاضرة فوجئنا أن طه حسين يرى أن (أبا تمام)، وليس المتنبي هو أشعر شعراء العرب؟!

وقبل نهاية المحاضرة يجيء سكرتيره ويلمسه. وبعد دقائق يتوقف طه حسين عن الكلام عندما يدق الجرس معلنا نهاية المحاضرة.. ونظل نتحدث عن الذي قال والذي نتوقعه غدا أو بعد غد. فطه حسين كانت عنده القدرة الهائلة على أن يشغل الناس وأن ينشغل عنهم أحيانا، وبهم أحيانا كثيرة.

ولم يحدث إلا نادرا أن حاول أحد من الطلبة أن يسأله عن شيء قاله. فطه حسين شديد الوضوح. ثم إنه يعيد ويزيد في كل ما يهتدي إليه من اجتهادات.. إلا مرة واحدة. فقد اقترب منه أحد الطلبة واستوقفه وقال له: يا معالي العميد.. معاليك لم تقل لنا لماذا ترون أن أبا تمام أفضل وأعظم..

وابتسم طه حسين ابتسامة الفيلسوف فولتير. ففيها كثير من السخرية والرقة والأستاذية والأبوة. وقال: لم يخطر على بالي يوما أنني أجلب النوم السعيد إلى تلامذتي..ها ها!

ولم يقل له إنه أجاب عن هذا السؤال في بداية المحاضرة!