أمثولة من لبنان

TT

قد تكون عبر المصالحة الدرزية ـ المارونية التي توّجها اتفاق البطريرك الماروني، نصر الله صفير، والزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط أول من أمس، امثولة تحتذى خارج لبنان في حال أخذها نموذجا للعديد من النزاعات الداخلية في الدول العربية.

غني عن التذكير بان النزاع الدرزي ـ الماروني لم يبدأ في السبعينات وان جذوره تعود الى العام 1845 وما سبقه من تحولات سياسية في المنطقة كانت حصيلة ضعف الامبراطورية العثمانية وازدياد تدخل الدول الاوروبية في المنطقة.

على هذه الخلفية التاريخية تأخذ مصداقيتها تأكيدات جنبلاط بان النزاع الدرزي ـ الماروني ـ او ما سمي بحرب الجبل في لبنان ـ «انتهى الى غير رجعة» وتأخذ بعدها الاقليمي ملاحظته الاخرى بان «احترام الحوار وتعزيز الديمقراطية واحترام الرأي الآخر وتقوية المجتمع المدني هي الاساس» في بناء اي مجتمع كان... خصوصا في ضوء النزاعات الداخلية القائمة حاليا في العديد من الدول العربية وتحديدا جنوب السودان والجزائر.

إذا كان تعايش الطوائف او الاقليات في لبنان ضرورة داخلية لاستمرار الكيان اللبناني، وبالتالي مطلبا لا غنى عنه لاستقرار المجتمع المدني، فمن نافلة القول ان «استمرارية» العديد من الكيانات العربية التعددية وامنها مرهون بتوافق هذه الطوائف او الاقليات على مفهوم موحد لمجتمعها المدني، من جهة، وعلى اقرار رسمي من دولها بخاصية شرائح مجتمعها التعددي في اطار وحدة الوطن والمصير، من جهة اخرى.

وفي هذا السياق غني عن التذكير بان خلفية التعايش المشترك بين المذاهب اللبنانية لا تعتمد فقط على الارادة الجماعية المحبذة لهذا التعايش بل تستند ايضا الى اعتراف الدولة بالخاصية الذاتية لهذه الطوائف واستطرادا بحقها في تشريع احوالها الشخصية في اطار الشرعية اللبنانية.

سواء كانت الحقوق المتنازع عليها طائفية او اثنية الطابع، يبقى منطلقها واحدا: الحقوق البديهية للانسان، وفي مقدمها حقه الطبيعي في حرية معتقده وحقه الشرعي في تقرير مصيره. وفي هذا السياق يصح ان تعمم على النزاعات العربية الداخلية ملاحظة وليد جنبلاط، في لقاء المصالحة الدرزية ـ المارونية، بان «البدائل الامنية» للتعايش الارادي في لبنان فشلت في تأمين الاستقرار، وان الحوار لا يزال الاسلوب الاجدى لتسوية النزاعات الداخلية.

باختصار، لبنان دفع غاليا ثمن تغييب الحوار في تسوية نزاعاته الداخلية، الا انه تسجل لقياداته اليوم جرأتها في العودة عن خطأ تاريخي... وهي جرأة يصح ان تكون مثالا للعديد من الدول العربية.