«تباً للضحايا.. المهم: الكرامة العربية!»

TT

«حَتَّى لو كان البشير مداناً بما أتهم به فإنَّ إصدار مذكرة اعتقال بحقِّه ليس إلا طعنة نجلاء في ضمير العرب وكرامتهم وهويتهم».

هذا الكلام الذي ورد حرفياً في إحدى المرافعات التضامنية مع الرئيس السوداني عمر البشير هو واحد من سيل المواقف العربية «الباسلة» التي اجتاحت الشاشات والصحف ومواقع الانترنت منذ أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور.

منذ صدور المذكرة توحد معظم الإعلام العربي على التنديد بها..

لم يسبق أن توحد هذا الإعلام على معاناة الدافوريين الذين بالكاد شاهدنا صورهم وسمعنا حكاياتهم عبر الصحافة العربية. بتنا اليوم، نرى التظاهرات المتضامنة مع البشير وأين منها الحشود التي كانت تجمع خلال عهد صدام حسين!!. النقل المباشر لخطابات البشير وهو يرقص ويغني ويلوح بعصاه وبسيفه للجماهير بات صورة شبه وحيدة خلال الأسبوع الماضي على فضائياتنا..

لم تعد القضية هي احتمال تورط البشير في المجازر التي ارتكبت بحق الدافوريين، بات ذلك تفصيلا.. الرئيس السوداني نفسه لا يركز في خطاباته المشحونة على براءته من إبادة 300 ألف دارفوري، قدر شحنه مشاعر المحتشدين بشعارات رفض الاستعمار والكرامة الوطنية..

مرّ قرار البشير طرد المنظمات الانسانية العاملة في الإقليم الذي يعتمد سكانه بشكل أساسي على المساعدات الغذائية التي توفرها تلك المنظمات مروراً عابراً على الإعلام العربي!..

إنه قرار يهدد مليون شخص بالمجاعة..

لم نر الإعلام العربي المصاب بـ «كرامته» في مخيمات لاجئي دارفور..

غاب تماماً حضور الدارفوريين ومآسيهم واقتصر الاهتمام بهم على الإعلام الغربي الذي أوفد مراسلين ومندوبين وسجل لقاءات وشهادات وتقصى حقائق حول دور النظام السوداني في التصفية المنهجية لتلك الأقلية المسلمة ولكن «غير العربية»، فهل تلك هي «النقيصة» التي حرمتهم حتى حق الحضور في الإعلام العربي ناهيك عن عدم صدور أي موقف أو إدانة حقيقية لما عانوه خلال السنوات الماضية....

هل الكرامة العربية تعني عدم الاكتراث للموت الجماعي للأفارقة على يد حاكم عربي ومسلم!!..

إنها الكرامة نفسها التي تهب للدفاع عن الفلسطينيين في وجه المجازر الاسرائيلية والهيمنة الأميركية.

كرامة بهذه الازدواجية والرخص مشكوك بمصداقيتها في الحالتين..

العدالة الدولية يجب أن تدعم وتحظى بالتشجيع وما يطبق على رئيس السودان يجب أن يطبق على رئيس الولايات المتحدة لأن العدالة الدولية لا يفترض أن تفرض فقط على الدول الصغيرة، ولكي تكون كذلك لا يجب إجهاضها والتعامل معها بازدواجية وعنصرية كما هو الحال فيما يتعلق بدارفور.. نعم، من الصعب اليوم جلب الرئيس الأميركي للمحكمة الدولية (ولا ننسى أن الولايات المتحدة كانت قد عارضت قانون المحكمة ومحاكمها) لكن الالتزام بالمعايير الدولية يقصر المسافة ويقوّي احتمالات محاسبة «الرجل الأبيض» في واشنطن وتل أبيب..

سقوط 300 ألف ضحية في دارفور وتشريد الملايين ليس مهماً، المهم هو الكرامة العربية والوقوف في وجه العدالة الدولية. هكذا كان المشهد الإعلامي والسياسي العربي خلال الأسبوعين الماضيين.

دماء الدارفوريين ليست مسؤولية البشير وحده...

diana@ asharqalawsat.com