كل ما اقتنى

TT

كانت تلك كل مقتنياته الدنيوية: نظارتان، تشبهان نظارات عاملي التلغراف أوائل القرن الماضي، وساعة جيب غير سويسرية الصنع، من النوع البسيط الذي أحضره جدي معه من أميركا، حيث كان يضبط وقت ذهابه إلى العمل، في مصانع «بويك» وصندل رقيق وصحنان. وهذا كل شيء. تلك هي مقتنيات المهاتما غاندي الذي اغتاله عام 1948 مهووس هندوسي لا يساوي في البشر بقعة على صندل، لا هو، ولا الممثل المسرحي الذي اغتال إبراهام لنكولن، ولا لي هارفي أوزوالد الذي قيل إنه اغتال جون كينيدي، ولا المجرم الذي قتل راجيف غاندي.

بيعت مقتنيات غاندي في المزاد في نيويورك. والرقم ليس مهماً لأنه رقم في التجارة لا في القيمة. لكن ساعة الجيب والصندل والنظارتين المصنوعتين من أسلاك، دلالة تاريخية على أن الزعامة السياسية ليست في حاجة إلى مال. لقد تبعه فقراء الهند بالملايين ولم يكونوا يملكون أجرة باص أو سد رمق. جاءه كبار القوم إلى بيته الصغير، ولم يكن يملك أن يقدم لهم القهوة. وما نراه اليوم من صرف المليارات على المعارك الانتخابية، هو جزء من فجور السياسة وليس من أصولها. ولو صرفت أميركا هذه الأموال على فقرائها، لما كان الضمان الطبي فيها رديئاً وقاصراً.

يدخل المال العمل السياسي في أبشع وأحط أشكاله في لبنان. وهي دائرة لا استثناء فيها لأحد. الثوريون والمقاومون والمحافظون والآذاريون وجميع أشهر السنة وأيام الروزنامة. وقبل أسابيع أعلن الجنرال ميشال عون الدعوة «إلى الجهاد» نهار الانتخابات في 7 حزيران المقبل، ثم أبلغ محازبيه أنه يقبل التبرعات «إذا لم تكن مشروطة» ولم يحدد سقفاً ولا حجماً ولا رقماً.

وهذه أول مرة في تاريخ لبنان، يعلن فيها سياسي على الملأ أنه يقبل التبرعات. ولا يكف عون عن شتم المال الآخر والمال الفاسد والمال الساحق. وتستعد جميع القوى اللبنانية هذه المرة لصرف ـ وجني ـ أكبر كميات ممكنة من المال في تاريخ الانتخابات. وفي الماضي كان المال يوزع على الفقراء والمحتاجين لقاء أصواتهم، لكن المال الكبير سوف يدفع هذه المرة للأغنياء والسماسرة التقليديين والأحزاب وكل من هو على استعداد. ولا أعتقد أن هناك من ليس على استعداد.

ولطالما كان المال السياسي يطحن المرشحين المستحقين، لكنه هذه المرة سوف يكون أكثر فظاظة، لأن المعركة أكثر توحشاً. إنها معركة القبض على السلطة وإزاحة رئيس الجمهورية وتغيير صورة البرلمان، بحيث لا يعود ضرورياً إقفال أبوابه بالقوة.