سادة قريش ومرارة الجوع

TT

كانت قريش تمثل أرستقراطية العرب، والصحابة يمثلون أعيان قريش ومكة تمثل المركز التجاري لبلاد العرب. ومع ذلك، فكثيرا ما عانوا من مضاضة الجوع والقحط. وفي ذلك حكايات كثيرة. منها ما استوقفني وأثار تفكيري. لاحظ النبي اثنين من صحابته يجريان في الطريق في عنفوان الحر. خرج يسألهما عما أخرجهما من بيوتهما تحت هذه الشمس اللاظية، فقالا الجوع يا رسول الله. فعاد لبيته وجاءهما بتمرتين تسندانهما حتى يفتح الله لهما.

حكاية غريبة، أن يعاني اثنان من سادة القوم من مثل هذا الجوع الممض. بل وأكثر من ذلك، ألا يكون باستطاعة النبي، وهو رئيس الدولة، أن يدعوهما للأكل في بيته أو يقدم لهما من الزاد شيئا غير تمرتين. «لقد ذاق النبي وعرف تماما مرارة الجوع والفقر. ففي باكورة حياته وجد نفسه مضطرا لمفاوضة العباس على مساعدة عمه أبي طالب بأن يأخذ العباس ابنه جعفر ويتعهد بتربيته ويأخذ النبي عليا في بيته. وذكرت عائشة ـ كما جاء في البخاري ـ أن زوجها كان يشتري الطعام من يهودي بالنسيئة ورهن عنده درعه كأمانة.

وروى المؤرخون أنه ذهب لزيارة أبي طلحة فسارع هذا إلى الإيعاز لزوجته بأن تعد شيئا من الطعام للرسول فقالت ليس ببيتنا من الطعام ما نقدمه. لا يوجد عندنا غير معزة غير حلوب. فألح عليها أن تحاول. فهذا نبي الله في البيت. من أين له أن يتركه يخرج دون أن يستضيفه لشيء. فحاولت فإذا بالمعزة تدر عليها من لبنها ما لم تعهده. فعملت من ذلك اللبن شيئا قدمته للنبي. وكانت بركة رسول الله أن أعطت المعزة ذلك اللبن. وهذا مثل عجيب آخر أن يكون مثل هذا الصحابي، سيدا من أسياد قومه، وليس في بيته من الطعام ما يستطيع تقديمه لضيف. وفي رواية أخرى أن النبي رأى تمرة على الطريق فقال: «لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها».

لا عجب في كل تلك الحكايات إذا صدقنا رواية هيكل في كتابه القيم عن سيرة النبي بأن محمدا بن عبد الله لم يشبع قط ولم يطعم خبز الشعير ليومين متتاليين، وكان سويق الطعام أكلته الكبرى وكان التمر طعام سائر يومه «ولقد عانى من الجوع غير مرة حتى كان يشد على بطنه حجرا يكظم به صيحات معدته». وذكر المؤرخون أن النبي عندما تزوج أم سلمة أولم لصحبه وكانت وليمته التمر والسويق، وعندما تزوج بصفية بنت حيي كانت وليمته الحيس والتمر.

وروى أبو هريرة فقال إنه ألزم الرسول بشبع بطنه وكثيرا ما كان ألصق بطنه بالحصباء من الجوع ورأى أن جعفر بن أبي طالب كان خير الناس فكان «يخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء فنلعق ما فيها».

تعطينا عائشة رضي الله عنها وصفا دقيقا لما عانت المرأة من الجوع في وصف نحافتها وخفة وزنها فتقول إن القوم وضعوا هودجها على الجمل في إحدى الغزوات ظنا منهم أنها كانت فيه، «وكانت النساء خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه».

www.kishtainiat.blogspot.com