إلى أين يتجه العراق؟

TT

قالت الإدارة الأمريكية السابقة، إن أمريكا قد جاءت للعراق لتجعله نموذجاً أمريكياً في المنطقة، ولكن العراق عوضاً عن أن يتجه لأمريكا اتجه شرقاً بوتيرة مذهلة بعد سقوط النظام السابق، وكأن أمريكا ما جاءت للعراق إلا لتسلمه إلى إيران على طبق من ذهب، على حد تعبير وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل.

فلماذا اتجه العراق شرقاً في السنوات التي تلت سقوط نظام صدام حسين؟

دعونا نقرر عدداً من الحقائق التي سادت المشهد العراقي خلال السنوات التي تلت سقوط نظام صدام حسين:

أولا: وصلت إيران بشكل عجيب وسريع إلى رأس الهرم السياسي العراقي، فكلنا يتذكر أن عبد العزيز الحكيم رئيس الائتلاف العراقي الموحد (شيعة) الذي فاز في الانتخابات البرلمانية الماضية، قد صرح بشكل باعث على السخرية أن على العراق أن يعوض إيران عن حرب السنوات الثماني المفروضة على إيران، في الوقت الذي دعا فيه الحكيم الدول العربية الخليجية إلى إعفاء العراق من الديون المستحقة. تلك الدعوة التي لا يمكن فهمها إلا في ضوء ما أصبح لإيران من دور بارز للتحكم في مصير العراق.

ثانيا: إيران موجودة في بعض شرائح المجتمع الديني العراقي، من خلال استعمال الدين والمذهب للتحكم عن قرب في الجماهير العريضة من عرب العراق.

ثالثا: إيران موجودة بشكل واضح في السوق التجارية العراقية، ولا شك أن إيران تنظر للعراق على أنه سوق استهلاكية كبيرة، كما أن العين الإيرانية لا تفتأ تمتد إلى حقول النفط في الجنوب العراقي الذي سعت من خلال محاولة فصله تحت ذريعة فيدرالية الجنوب والوسط.

رابعا: إيران موجودة بقوة تحت قبة البرلمان، وهذا يفسر كيف أن أعضاءً في الوفد البرلماني العراقي رفضوا التنديد بالاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث، أثناء انعقاد مؤتمر للبرلمانيين العرب في كردستان العراق في العام الماضي.

خامسا: بلغت الجرأة بحاكم طهران ذات يوم أن يدعو الأمريكان إلى الانسحاب من العراق، مؤكداً أن إيران مستعدة لملء الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأمريكي من العراق، وكأن العراق إقليم خرم شهر أو أصفهان.

ولكن مهلا هل هناك وجه آخر للصورة المرسومة أعلاه؟

دعونا نتأمل النقاط التالية:

أولا: حقيقة الحقائق المرة أن ثمانية أعوام من سفك الدماء بين العراق وإيران، لن يكون من السهل نسيانها من الذاكرة العراقية والعربية مهما حاولت الآلة الإعلامية الإيرانية أن تسوق تلك الحرب على أنها الحرب المفروضة من قبل نظام صدام حسين على الجمهورية الإسلامية. فعلى الرغم من أن العراق بدأ تلك الحرب المشؤومة، فإنه أعلن قبوله وقف إطلاق النار في العام الأول، غير أن ولي المسلمين في حينه الإمام الخميني كان قد رفض حقن دماء المسلمين طيلة السنوات السبع التالية، ولم يوقع على وقف إطلاق النار إلا بعد أن رأى أن اقتلاع النظام البعثي (الكافر) آنذاك مهمة مستحيلة، حينها شرب الخميني كأس السم التي ظل يجرعها للعراقيين طيلة سنوات الحرب العراقية الإيرانية.

ثانيا: ينبغي فهم ما حصل في الانتخابات البرلمانية العراقية السابقة على النحو التالي: فوز الأحزاب الشيعية الدينية لم يجسد في حقيقته إلا غضبة المواطن العراقي وانتقامه من الديكتاتورية التي فرضت على العراق فترة طويلة من الزمن، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن فوز هذه الأحزاب يمكن أن يفهم على أنه رفضٌ للآلة العسكرية الأمريكية وأسلوبها في التعامل مع الأوضاع في العراق. إن المواطن العراقي كان قد شاء أن يعطي صوته لنقيض التوجهات البعثية والغربية في العراق، ليس حباً لهذا النقيض ولكن كراهية لأفعال الآلة العسكرية الأمريكية التي ربما رأى هذا المواطن أنها ما جاءت إلا لغرض في نفسها. كما أن التصويت جاء ليعكس كراهية العهد البعثي السابق ومحاولة البحث عن عهد جديد حتى ولو خرج هذا العهد من عباءة عدو الأمس القريب المتربص شرق بغداد.

ثالثا: عندما كشرت إيران عن أنيابها الحقيقية وأطماعها في بغداد، وعندما اتضح للمواطن العراقي أن إيران - عدو الأمس اللدود - لم تكن يوماً تضع في حساباتها غير المصالح القومية العليا لإيران بدأ لديه وعي جديد بالتشكل، هذا الوعي كشفت بعضاً من جوانبه الانتخابات المحلية التي جرت مؤخراً في العراق والتي تلقت التيارات الدينية الموالية لإيران انتكاسة ردتها إلى حجمها الحقيقي في المجتمع العراقي، بعد أن اتضح أنها تسعى لتقسيم العراق لصالح المشروع الإيراني في المنطقة، وبعد أن بان للعراقيين أنها مع القاعدة وراء الحرب الطائفية الحقيقية التي استعرت في العراق بعد الإطاحة بنظام صدام حسين.

ولكن مهلا، فالصورة ليست على هذا النحو المتفائل، لعدة أسباب:

أولها: أن إيران ستعد ما حصل في الانتخابات العراقية الأخيرة مؤشراً على سير الأمور على غير ما يرام إيرانياً في العراق، وبالتالي ستعمل مع الأحزاب الإيرانية الهوى على تصحيح ما حصل وتفادي حدوثه مرة أخرى، استعداداً للانتخابات البرلمانية القادمة في العراق.

ثانيها: أن إيران ما زالت تمسك بالكثير من خيوط اللعبة في العراق، فالعجيب في أمر إيران أنها صديقة الخصوم السياسيين العراقيين، فالمالكي صديقها والحكيم ربيبها ومقتدى أقرب تلاميذ قم إليها. بل وفوق كل ذلك، فإن إيران تتباكى على العراقيين من ضحايا القاعدة و«التكفيريين» وهي تحتضن رؤوساً منهم وترفض إلى اللحظة تسليمهم سواء للأمريكيين أو لدولهم التي تطالب بمحاكماتهم.

ثالثها: أن الانتخابات المحلية التي جرت في العراق، وإن أظهرت تراجع القوائم الدينية الطائفية، فإنها لم تكسر حاجز الطائفية في العراق، ويصدق عليها القول إنها كسابقتها قامت على أسس طائفية أيضاً. فقائمة المالكي شيعية بامتياز وقائمة الحكيم كذلك، ومرشحو التوافق كلهم من العرب السنة.

ثم ماذا؟

- على العرب أخذ الإشارة الجيدة التي بعث بها إخوتهم العراقيون إليهم من خلال الانتخابات المحلية الأخيرة.

- الانسحاب الأمريكي قد يكون وشيكاً، والفراغ العراقي ينبغي أن يملأه العراقيون أنفسهم، وعلى العرب مساعدتهم على ملء هذا الفراغ حتى لا يتسنى لأحمدي نجاد اتخاذ عاصمة الرشيد ورقة للمساومة في المفاوضات الإيرانية الغربية على الملف النووي الإيراني .

- لا بد للمالكي إذا أراد مزيداً من الانفتاح العربي على العراق أن يحسم موضوع المصالحة الوطنية العراقية، فإنها الوسيلة الأنجح لجذب العرب إليه.

- وأخيراً العراق - جغرافيا - سيتجه غرباً، لأن في الغرب الجغرافي لبغداد تاريخاً مشتركاً ولغة وثقافة مشتركة، وديناً واحداً رغم اللعب على التناقضات المذهبية. وبغداد لن تكون إيرانية ولا تريد أن تكون إيرانية ولا تستطيع أن تكون إيرانية، وعلى الذين يحاولون أن تتجه بغداد شرقاً أن يراجعوا جيدا تاريخ بغداد.

* كاتب يمني مقيم

في بريطانيا