وهم الانتخابات المصيرية

TT

لافت أن تختلف قوى الموالاة (14 آذار) والمعارضة (8آذار) في لبنان على كل شيء تقريبا لتتفق على وهم مشترك هو وصف الانتخابات اللبنانية المقبلة بـ«المصيرية»، وبالفرصة المتاحة للحسم بين مشروعين متناقضين لمستقبل الدولة اللبنانية.

السؤال الذي يطرح نفسه قد يكون: ألا تحمّل قوى الموالاة والمعارضة اللبنانيين فوق طاقتهم بتضخيمها مسؤوليتهم «الوطنية» في حسم معركة انتخابات «مصيرية» تقول إنه لم يسبق للبنان أن خاض مثلها؟ في بلد لم يُسمح لنوابه باختيار رئيس جمهوريتهم بحرية.. هل يعقل أن يُسمح لناخبيه بتقرير مصيره بحرية؟ مع التسليم بالوجه الاستثنائي لانتخابات العام 2009، لن يغيب عن أذهان اللبنانيين أن مصير بلدهم لا يقرر في صناديق الاقتراع بقدر ما يقرر خارجها - خصوصا في ظل قانون انتخابي يراعي متطلبات «التوافقية» في نظامهم الديمقراطي أكثر مما يلبي موجبات «الديمقراطية».

عمليا، أقصى ما يمكن للناخب اللبناني أن يفعله هو «مواكبة» التحولات الإقليمية والدولية في منطقته.. لا تحديدها أو توجيهها كما يوحيه الخطاب الانتخابي للموالاة والمعارضة معا.

منذ وُجد على خريطة الشرق الأوسط ولبنان بلد ردة الفعل لا الفعل، أي البلد الذي يتأثر بمحيطه دون أن يؤثر فيه بقدر يذكر.

وإذا جاز اعتماد السوابق العديدة في تاريخ لبنان مؤشرا لما يمكن أن تفرزه انتخاباته المقبلة لجاز القول إن «مصير» هذه الانتخابات بدأ يتحدد خارج حدود لبنان من خلال تحولات إقليمية ودولية يصعب تجاهل أبعادها الانتخابية.

إقليميا يبدو العالم العربي متجها نحو حالة «اصطفاف» – كي لا نقول مواجهة - في تعامله مع التحدي الإيراني السياسي والاستراتيجي.

هذا التوجه يمكن تلمس بوادره من دعوة السعودية إلى «رؤية عربية» للتعامل مع التحدي الإيراني للأمن العربي، ومن قطع المغرب لعلاقاته الدبلوماسية مع إيران (على خلفية التضامن مع البحرين)، ومن رفض وزراء الخارجية العرب (في اجتماعهم الأخير) دعوة لفتح حوار مع إيران قد يحولها إلى شريك إقليمي في ترتيبات محض عربية، وعلى صعيد لا يقل دلالة، من رفض المرجع الشيعي العراقي آية الله علي السيستاني، دعوة رئيس مصلحة تشخيص النظام في إيران، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، لزيارة طهران. وقد لا تكون مجرد صدفة أن تتوالى هذه المواقف في أعقاب إعلان وكالة الطاقة النووية (في 2 مارس الحالي) أنها «لا تستطيع أن تستبعد احتمال أن تكون إيران تخفي نشاطات عسكرية نووية».

من المبكر توقع تحول «حالة الاصطفاف» العربية إلى مواجهة علنية مع إيران. ولكن من شأن هذا الاصطفاف، إن تكرس في أي قمة عربية مقبلة، أن يحرج سورية على الساحة العربية.. أو يخرجها منها. وفي الحالتين لن تكون المعركة الانتخابية في لبنان بمنأى عن تداعيات هذا التطور. أما دوليا، فقد يكون العامل الأبرز، والمستجد، في تحديد مصير لبنان مواصلة الإدارة الديمقراطية في واشنطن دبلوماسية التعامل المباشر معه كـ«ملف مستقل» عن جواره في المنطقة، الأمر الذي أكده مساعد وزيرة الخارجية الأميركية بالوكالة لشؤون الشرق الأوسط، جيفري فيلتمان، في زيارته الأخيرة للبنان، ليس فقط في تشديده على «استمرار الإدارة الأميركية الجديدة في دعم استقلال لبنان ووحدته» بل أيضا في تأكيده للبنانيين بأن السوريين (الذين التقاهم في سياق زيارته للمنطقة) «فهموا موقفنا حيال لبنان ومفاده أن لبنان للبنانيين وأن على اللبنانيين فقط تقرير مصير بلادهم».

مع ذلك، يبقى حساب المفاجآت واردا.. ومن الخارج أيضا. وأبرز المفاجآت المحتملة اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط قبل موعد الانتخابات اللبنانية تشرع الباب واسعا للمزايدات السياسية الإيرانية وتتحول إلى ورقة فاعلة في تحريك الشارع اللبناني، وربما ترجيح كفة الانتخابات لصالح المتشددين والأصوليين.

من هنا أهمية الدور «المصيري» الممكن أن تلعبه واشنطن في حال أتبعت إعلان فيلتمان عن التزام أوباما «باستخدام نفوذ أميركا للحصول على حل الدولتين للقضية الفلسطينية والتوصل إلى حل شامل للصراع بين إسرائيل وجيرانها» بتحرك دبلوماسي سريع يقنع الشارع العربي، واللبناني، بجدية المساعي الأميركية لتسوية نزاع الشرق الأوسط المحوري قبل أن تصبح المنطقة كلها ساحة متاحة للتجارب الأصولية.