الخروفان اللذان شغلا الصحافة!

TT

لا شيء يشغل الناس، ويدعوهم إلى متابعة الأخبار أكثر من القضايا الجنائية، وما يصدر حولها من أحكام، ولمقابلة هذا الميل النفسي للقارئ أنشئت في الخارج صحف متخصصة في الجريمة، مهمتها ملاحقة قضاياها، ومتابعة ما يحدث لمرتكبيها في المحاكم، وما يصدر ضدهم من أحكام، حتى الصحف التي لم تتخصص في الجريمة تجد نفسها مضطرة في الكثير من الأحيان إلى إفراد مساحات كبيرة لأخبار الجرائم، والحوادث، وأحكام القضاء ليقينها بأن هذه النوعية من الأخبار جاذبة لشريحة كبيرة من القراء، فالإنسان مفطور على رصد الأخطار في محيطه بغرض الحذر، أو الفضول، أو الخوف، أو العظة، والصحافة السعودية حالها كحال غيرها من الصحف تمارس نفس الاهتمام بأخبار الجريمة، وما يتصل بها من أحكام.

لكن حادثة سرقة بسيطة حدثت قبل أشهر في مدينة «بيشة» لم تكن لتثير شهية الصحافة لمتابعتها، لولا درجة العقوبة التي تضمنها الحكم الصادر على مرتكبيها، فلقد أقدم سارقان على سرقة خروفين، يقول أحدهما إنه قام بها تحت ضغط الحاجة، فصدر حكم بسجن السارقين ست سنوات، وأربعة آلاف جلدة، وهو الأمر الذي استكثره بعض الكتاب، مقارنة بأحكام أخرى صدرت في قضايا أكثر جرما من سرقة خروفين، ولم تصل فيها العقوبة إلى ذلك القدر، الأمر الذي جعل من هذه الحادثة قضية تناولتها الصحافة وكتابها، وامتد الاهتمام بهذه القضية إلى الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية، التي تابعت الأمر بهدف تخفيف الحكم، وأولت القضية ـ كما يقول رئيسها ـ الكثير من اهتمامها، وهو جهد يشكر للجمعية، ويثمن لها، ولرئيسها.

وكتأكيد للثقة في مراجعات ومرجعيات القضاء السعودي جاء رفض محكمة التمييز في مكة المكرمة للحكم الذي طال سارقي الخروفين في مدينة «بيشة»، واصفة الحكم ـ بحسب ما ورد في صحيفة عكاظ عدد الخميس الماضي ـ بالجائر، وقامت بإعادة ملف القضية إلى المحكمة التي أصدرته، طالبة إعادة النظر في مدة الحكم الطويلة قياسا بما أقدم عليه الجانيان، وهو الموقف الذي اكتسب تقدير الكثيرين، وتأييدهم له، وتعاطفهم معه، وتثمينهم للموقف الحكيم الذي وقفته محكمة التمييز من هذه القضية التي شغلت الناس طويلا، وهذا الموقف يعمق من ثقة الناس في عدالة القضاء، ومرجعياته، ومراجعاته.

[email protected]