العاصفة!

TT

حينما بدأ التلفزيون السعودي في عقد الستينات كان من أبرز وجوه شاشته ـ أيام الأسود والأبيض ـ قارئ النشرة الجوية الشهير محمود نويلاتي، تلاه بعد ذلك حسن كراني، وسامي حلبي، وآخرون، وكان المناخ على عهدهم ـ في الغالب ـ معتدلا، هادئا، ومستقرا، فالفصول لم تكن تأتي فجأة، ولا ترحل فجأة أيضا، فالصيف اعتاد أن يتمطى على قلوبنا طويلا قبل أن يرحل، كما كان الشتاء ـ في الكثير من المناطق ـ زائرا خفيف الظل لا نكاد نخرج له «الشيلان»، و«البطانيات»، والأثواب الملونة حتى يمد لنا لسانه ساخرا، وهو يودعنا إلى مناطق الجبال العالية، لذا لم يكن الناس يلقون للنشرة الجوية بالا باستثناء صديقنا المذيع، والمخرج المعروف عبد الله رواس المغرم بأخبار المناخ، والمطر، والغيم «السكري»، فلقد ظل المتابع الدائم للنشرة الجوية وتفاصيلها، فلا يخرج من داره إلا وفق توصياتهم.

تذكرت كل ذلك حينما هبت العاصفة الرملية، وتعالت الاتهامات في وجه الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة لتحميلها مسؤولية عدم استباق العاصفة بالإعلان عنها، وقد تمنيت لو أن الرئاسة العامة للأرصاد ذكرت المحتجين بأصوات قراء نشراتها الجوية التي بحت من كثرة الكلام عن الطقس طوال السنوات دون أن تحظى بشيء من متابعتهم وانتباههم، فالاهتمام بمتغيرات المناخ كان ـ ولم يزل ـ آخر هموم الناس هنا، حتى أن رئيس تحرير إحدى الصحف الشهيرة حينما أفرد مساحة بارزة لأحوال الطقس اعتبر البعض ما فعله ضربا من الخطأ في ترتيب أولوياته الصحافية.

وفي هذه الأيام، التي تتسيد فيها العواصف الرملية أخبارنا الصحافية، تتداعى إلى الذهن أصوات النويلاتي، والكراني، وزملائهما من قراء النشرة الجوية، الذين ضاعت صيحاتهم سدى، وهم يحذروننا من العواصف فلا نصدقهم إلا حينما نعود إلى بيوتنا شعثا غبرا، وقد غطت الرمال وجوهنا، فلا يكاد يتبين لها ملامح، كما تتداعى إلى الذهن أيضا حكمة استشراف رئيس التحرير لأهمية أخبار المناخ، فهو لم ينتظر أن تقع الفأس بالرأس لتهتم صحيفته بأخبار الطقس والكوارث المناخية، فلقد آثر أن يعودنا على ثقافة لم تدخل ضمن مكونات اهتماماتنا رغم أهميتها لسلامة حياتنا، كما أتذكر صديقي النواخذة غازي أبو الخير، الذي أسأله في كل مرة نبحر فيها للصيد: هل اطلعت على النشرة الجوية؟ فيقول في لهجة تقريرية واثقة على الدوام: «إن حالة الموج مستقرة وهادئة على شواطئ البحر الأحمر لا تعكرها سوى أسئلة الصحافيين!»، وكم لعب بنا الموج من تحت رأسه القاسي.

وحسنا فعلت بعض الفضائيات حينما أسندت مهمة قراءة النشرة الجوية إلى الجنس الناعم، لعل بإمكان المرأة رؤية العاصفة من على بعد ثلاثة أيام بحدسها، أو بعيون قلبها، كما كانت تفعل زرقاء اليمامة، فقلب المرأة ـ كما يقال ـ يساوي عقول عشرة من الرجال.