الخوف يقترع ويتبادل المواقع

TT

يتحدث فاتسلاف هافل في مذكراته عن المعركة على رئاسة تشيكوسلوفاكيا بينه وبين ألكسندر دوبتشك، الذي عرف باسم «رجل ربيع براغ» والذي كان صاحب أول حركة تمرد ضد السوفيات. يقول هافل إن دوبتشك لم يعلن صراحة خوضه المعركة، لكنه كان يريد الرئاسة بكل قلبه. وقد ذهب إليه يحاول إقناعه بالعدول عن دخول المعركة حرصاً على وحدة البلاد أمام وجود مرشحيْن، واحد من سلوفاكيا والآخر من تشيكيا. وعرض عليه بدل ذلك منصب رئيس مجلس النواب.

ولكن مجلس النواب كان مليئاً بالشيوعيين، فهل يمكن أن ينتخبوا رئيساً للجمهورية وآخر للبرلمان من رموز الثورة على الشيوعية؟ ليس فقط ممكناً بل بالإجماع أيضاً، و«برفع الأيدي» كما قال العقيد غازي كنعان مرة عن نواب لبنان. الذين كانوا يخيفون، أصبحوا هم الخائفين، يقول هافل. وخَلَت جلسة الانتخاب من تلك الخطابات الآيديولوجية الطويلة والمليئة بقاموس من مصطلحات الرفاقية وتعابير الأخوة.

أما دوبتشك نفسه فكيف اقتنع أخيراً بالعدول؟ «كانت تلك من أصعب المهام في حياتي: أن أكون مرشحاً وأن أحاول في الوقت نفسه إقناع المرشح الآخر بالانسحاب. عقدت معه لقاءات كثيرة حول الموضوع. ويجب الاعتراف بأنني شعرت بالعطف عليه وبأن مهمتي شاقة ومحزنة. لكنني في الوقت نفسه شعرت أن دوبتشك ليس صامداً. إنه مثل جميع الرؤساء في بلادنا، إذا واجه معضلة ما، أخفق في حلها. لكنني أعتقد أنه كان رجلا نزيها، شريفا، متواضعا، وأنيسا. غير أنه كان غارقاً في اللفظيات الآيديولوجية الشيوعية. دائماً يطيل الحديث، ودائماً فيه الكثير من الغموض، فلا تعود تعرف ماذا يريد حقاً».

يذكرني ذلك بمحادثات الوحدة ـ التي لم تتم ـ بين مصر الناصرية وحزب البعث في سورية والعراق. وقد دخل الفريقان في محادثات مطولة مملة حول وحدة لا يريدها أحد منهما، لكنّ كليهما أراد أن يثبت لجمهوره أنه حاول وسعى ولا غالب إلا الله.

وأخذت «وكالة أنباء الشرق الأوسط» المصرية الرسمية تنشر نصوص المحادثات وتركز على طريقة البعثيين في الحوار: كلمة ثم نقطتين ثم كلمة يعني يعني ثم نقطتين، لكي تظهر تردد الفريق البعثي وأسلوبه الآيديولوجي في التطويل. وقد دفع ثمن تلك المحادثات اثنان: الشعب العربي، ومحررو الشؤون الخارجية. فقد كان علينا أن نمضي ساعات بعد الظهر في شطب النقطتين ويعني يعني لأنها تملأ الصفحات.