العبقرية في هذه الأصابع!

TT

من القصص الفلسفية الجميلة قصة «حي بن يقظان» للفيلسوف ابن طفيل، الذي توفي في نهاية القرن الثاني عشر. فقد أراد الفيلسوف أن يبين لنا كيف يستطيع الإنسان أن يهتدي إلى حقائق الكون وحده وبفطرته. وحي بن يقظان قد أرضعته ظبية وعاش وحيدا في إحدى الجزر.

وقد ترجمت هذه القصة إلى كل اللغات، وحاول الباحثون أن يردوها إلى أصول إغريقية وهندية. أي أن ابن طفيل قد تأثر بآخرين. لا يهم، ولكن الفيلسوف الأندلسي المغربي الأصل قد وصل إلى كل المعاني على سلم منطقي..

وأروع ما ذكره ابن طفيل في هذه القصة أنه اكتشف النار بالصدفة. وبسبب النار راح ينضج الطعام، وبسبب النار عرف النور فطال الليل ساعات أضيفت إلى ساعات النهار. ومن رأي فلاسفة الحضارة في العصر الحديث أن أعظم اكتشافات الإنسان هو: النار. وقد اكتشف من احتكاك النبات وبعض الأحجار..

وابن طفيل قد تأثر بالفلسفة الأفلاطونية الجديدة.

ولكن عبقرية ابن طفيل ظهرت عندما نظر حي بن يقظان إلى يديه فجأة. ثم نظر إليها مرة أخرى. وراح يحرك أصابعه. واكتشف أن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يستطيع أن يحرك أصابعه وأن ينشرها وأن يطويها وأن يصنع بها كل أدوات حياته.. وفيلسوف الحضارة الألماني اشبنجلر في القرن العشرين يقول: الإنسان هو الحيوان صانع أدوات حياته ومماته أيضا. وكذلك فعل حي بن يقظان. ولو نظرت إلى كل الحيوانات التي لها أصابع كالقردة مثلا، فإنها عاجزة عن صنع شيء بأصابعها لأنها لا تطاوعها ولأن أجهزتها العصبية لم ترق إلى مرتبة الإنسان العاقل..

ويذكرني انبهار حي بن يقظان بالنظر إلى أصابعه بما قاله الفيلسوف الوجودي سارتر. ففي رواية «الغثيان» نجد البطل ينظر إلى يديه وأصابعه فجأة ويكتشف أنها غريبة وأنها ليست جميلة ولكنها مصدر الإبداع في الكتابة والرسم والصناعة. إن الحضارة أصابع عاقلة. وكذلك قال ابن طفيل!