العلم في مواجهة الأخلاق

TT

لا شك أن اتخاذ قرارات حيال القضايا العلمية المثيرة للجدل من الناحية الأخلاقية، يتطلب عقد جدال أمين حولها، وفي النهاية يتعين على القادة السياسيين إصدار قرارات تتوافق مع ما يعتبرونه أكثر الحجج الأخلاقية إقناعا. وهذا تحديدا ما فعله الرئيس أوباما، ذلك أنه لم يكن في موقف اختيار بين العلم الصحيح والقيم الأخلاقية، وإنما كان عليه اختيار مسار للسياسات العلمية يتناغم مع قيمه الأخلاقية وقيم الغالبية، لكن ليس كل، الأميركيين.

لقد ترك أوباما لمعاهد الصحة الوطنية الأميركية مهمة تحديد المعايير الأخلاقية التي ينبغي أن تحكم جهود البحث العلمي، بما في ذلك الأبحاث التي تعتبر مؤهلة لتلقي تمويل فيدرالي. ومن بين أقل القضايا العلمية إثارة للجدل الأبحاث التي تجرى حول الخلايا الجذعية المستأصلة من أجنة مخزنة تبقى بعد اكتمال عملية تلقيح البويضات بالسائل المنوي خارج الرحم. أما القضية الأكثر إثارة للجدل فتتمثل في الأبحاث المعتمدة على الخلايا الجذعية لأجنة مخصصة تحديدا لأغراض بحثية، التي يرى العلماء أنها ربما تساعد في الإسراع من وتيرة الاكتشافات العلمية في هذا الصدد على نحو هائل. من ناحية أخرى، فإن الكونغرس وحده هو القادر على تناول ما يمكن وصفه بأكثر القضايا العلمية المثيرة للجدل على الإطلاق، وهي استغلال أموال فيدرالية في دعم تخليق أو تدمير أجنة بشرية، الأمر الذي يحظره القانون حاليا.

ولكن حدد أوباما بالفعل الآن المسار الأخلاقي الذي ستنتهجه البلاد حيال هذه القضية، حيث سمح بالمضي قدما في الأبحاث الجارية حول الخلايا الجذعية المستأصلة من أجنة، مع توافر الرقابة من أجل الحيلولة دون وقوع حالات سوء استغلال لهذا الأمر، مثل الاستنساخ لأغراض التناسل البشري. وعلى من يؤمنون بأن الأجنة البشرية تتمتع بذات المكانة الأخلاقية التي نحظى بها جميعا، المضي قدما في عرض حجتهم وحشد التأييد لها. إلا أنه بالنسبة لمعظم الأميركيين، تحقق السياسة التي أقرها الرئيس التوازن الأخلاقي المثالي، ويعكس بموقفه القيمة التي نوليها للحد من المعاناة البشرية وتحسين صحة الإنسان.

* مديرة معهد جونز هوبكنز بيرمان للأخلاقيات البيولوجية

خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»