إيران وإسرائيل.. ومشروع السلام الجديد

TT

كل شيء يدل على أن الولايات المتحدة مصممة، هذه المرة، على التدخل مباشرة، وبقوة، وعلى كل المستويات، ومع كل الفرقاء، للتوصل إلى اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإلى تحقيق نوع من السلام في الشرق الأوسط. وأبرز هذه المؤشرات، مد الرئيس أوباما يده إلى إيران و سوريا، وجولة وزيرة الخارجية الأميركية في المنطقة، ومشاركتها في لقاء شرم الشيخ، والسياسة الأميركية الجديدة في أفغانستان. ودعوة إيران إلى اجتماع للدول المجاورة لأفغانستان تحضره الولايات المتحدة. بالإضافة إلى التصريحات الرسمية المؤكدة لهذا النهج الأميركي الجديد في التصدي للأزمات المحتدمة، منذ سنوات، وخاصة بعد 11 سبتمبر 2001، في الشرق الأوسط الكبير الممتد من شواطئ البحر المتوسط إلى باكستان.

في مواجهة هذا التصميم الأميركي على تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبالتالي بين العرب وإسرائيل، المنطلق من قناعة واشنطن والعواصم الأوروبية بأن السلام في الشرق الأوسط، هو المدخل الرئيسي لمقاومة الإرهاب الإسلاموي الدولي. تنتصب، لسوء الحظ، أكثر من عقبة. الأولى هي إسرائيل التي قد يحكمها اليمين المتعصب، الذي من الصعب عليه التراجع عن موقف الرافض للشروط الفلسطينية والعربية للسلام. والعقبة الثانية هي إيران وحلفها مع سوريا و دعمهما لحماس و حزب الله والفصائل الفلسطينية الراديكالية. أما العقبة الثالثة فهي التي تشكلها الجماعات والتنظيمات الإسلاموية المتطرفة، على امتداد العالمين العربي والإسلامي، التي تستمد ديناميكيتها من «جهاديتها» ضد إسرائيل والغرب، وتعتبر السلام والاستقرار والتعاون بين الشرق والغرب، خطرا على استراتيجيتها الهادفة، في النتيجة، لبلوغ الحكم.

بطبيعة الحال، ليس السلام في الشرق الأوسط هم الولايات المتحدة الأوحد والأكبر. بل هناك الأزمة المالية الاقتصادية، التي تستنفذ قواها. ولكن معالجة هذه الأزمة مرتبطة، إلى حد بعيد، بحل مشاكل السلام في الشرق الأوسط، من حيث إن استتباب السلام سوف يوفر على الولايات المتحدة نفقات وجودها العسكري الضخم في هذه المنطقة. كما أن تفاهمها مع روسيا من شأنه أن يسهل لها مفاوضاتها مع إيران وضغطها على إسرائيل.

غير أن كل هذه الاستعدادات الجيدة والبوادر الطيبة تبقى مرهونة بتجاوب الأطراف المعنية مباشرة بها، ونعني: الفلسطينيين والعرب وإسرائيل وإيران. وغني عن القول، إن الفلسطينيين ليسوا قادرين على القبول بأي مشروع للسلام، أو رفضه، إذا لم يوحدوا صفوفهم. ويمهدوا لذلك بإقامة حكومة وحدة وطنية. فهل ينجحون في ذلك بعد استقالة الحكومة الفلسطينية؟ وأن العرب لن يستطيعوا القبول بأي مشروع سلام ما داموا منقسمين إلى معسكرين، أو أكثر. فهل ستنجح المساعي السعودية مع سوريا، من جهة، والوساطة التركية، من جهة ثانية، في إخراج سوريا من جبهة الرفض و الممانعة؟ ربما، إذا حدث تغيير أساسي في موقف إيران وإسرائيل. والعقبة الكبرى الحقيقية في وجه السلام هي، في نظر الكثيرين، كامنة في استراتيجية هاتين الدولتين، اللتين تهددان الواحدة الأخرى، ولكنهما تلتقيان، لأسباب مختلفة، في موقفهما السلبي من أي مشروع سلام عادل في الشرق الأوسط.

صحيح أن إسرائيل و اللوبي اليهودي الأميركي ما زالا يتمتعان بقوتهما الضاغطة على الإدارة الأميركية. ولكنه صحيح أيضا أن إسرائيل خسرت الكثير من سمعتها ومن تعاطف الرأي العام الغربي بل والعالمي معها، لا سيما بعد عدوانها الأخير على غزة. وأن الرأي العام الغربي بات راسخ الاقتناع بضرورة قيام دولة فلسطينية. فأي الاعتبارين سوف يتغلب على الآخر؟ وأما بالنسبة لإيران، فهناك الانتخابات المقبلة التي قد تحمل خاتمي إلى الحكم، كما أن تدني سعر النفط حرم إيران من فائض المال الذي تنفقه على «أنشطتها» الخارجية وأهمها تمويل وتسليح قوى الرفض الفلسطينية والعربية. وهناك اليد الأميركية الممدودة. فهل يكفي ذلك لإقناع إيران بتغيير تكتيكي أو استراتيجي لسياستها في العالم العربي. وطريقة دعمها للقضية الفلسطينية؟

إن السنة المقبلة أمامنا قد تكون سنة حاسمة للصراع العربي -الإسرائيلي، أو ممهدة لسلام قادم. فهذا السلام أصبح، في نظر العالم، مفتاح السلام في الشرق الأوسط الكبير، ومفتاح كسب الحرب الدولية على الإرهاب. وإذا كانت الولايات المتحدة، بما لها من وزن وقدرات وقوة ضغط، هي المسؤولة الرئيسية عن تحقيق هذا السلام، فإن الفلسطينيين والعرب، يتحملون قسما كبيرا من المسؤولية. أما مسؤولية الفشل الكبرى، فإن إسرائيل وإيران يتحملانها، في الدرجة الأولى والأخيرة.

والسؤال المطروح، اليوم، هو: أي مشروع مصيري للشرق الأوسط هو المرشح للنجاح؟ المشروع الأميركي - الأوروبي الجديد للسلام؟ أم المشروع الإيراني - الإسلاموي؟

الهدم أسهل من البناء. والرفض الإسرائيلي لأي مشروع سلام عادل، سوف يغذي جبهة الرفض.