وهيب.. والله وهيب

TT

بطاقات المعايدة لمختلف المناسبات المتبقية لهذا العام ستكون خالية من اسم الراحل الكبير وهيب بن زقر، وهو الذي كان حريصا على التواصل مع صحبه ومحبيه بشكل جميل وبلا انقطاع. تمكن المرض من رجل الأعمال السعودي الكبير وهيب بن زقر، وانتقل إلى رحاب الله بعد حياة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها حافلة ومثيرة وغنية. كان رجلا أخاذا آسرا، عاش حياة مارس فيها أدوارا تكفي لأكثر من حياة، ترأس مجموعة صناعية عملاقة ذات أبعاد مختلفة ومتألقة، وكان رئيسا لبلدية جدة، إضافة لمساهماته في الشركات المصرفية والطيران والجمعيات الخيرية، والعمل التطوعي بأشكاله المختلفة. على الصعيد الشخصي، تكونت بيني وبين الراحل صداقة استثنائية، كان يأسرني خلالها بحكمته في الحياة، ومرحه الذي لا ينقطع، وقدرته على مواجهة أعتى التحديات والمشاكل. كان لديه كم هائل من العلاقات الإنسانية المتنوعة، ويبدو أنها كانت بقدر اهتماماته واتساع شخصيته. نمت بيني وبينه علاقة أكثر من خاصة، بالرغم من أنه كان، رحمه الله، من أصدقاء والدي، إلا أن الذي تكون بيننا كان صداقة من نوع نادر، عملت معه في أكثر من لجنة للعمل العام، ووجدته مولعا بالتفاصيل ومحاولة تذليل العقبات عبر التفكير غير العادي. كان جامعا للناس من كل الأطياف ومن مختلف المناطق، كما سماه أحد محبيه «شخصا متفقا عليه». أحب الناس فاحترمه الكل، في مجلسه كان يطرح قضايا الساعة الاقتصادية بخفة وذكاء، ليشارك في اللقاء أكبر عدد من الناس، وتعم الفائدة على الكل. أحب تثقيف نفسه وتطوير معلوماته، وكان دائما تواقا لمعرفة المزيد، وبشهية غير محدودة لطالب العلم، وانعكس ذلك على كتاباته الأسبوعية، التي تحولت إلى مادة دسمة ينتظرها القراء بشغف شديد، نظرا لما كانت تحتويه من إشارات ومعلومات بالغة الدلالة. أعلم تماما أنني أنعي اليوم شخصية كبيرة، وأعزي المجتمع السعودي بل المجتمع العربي في هذا الفقدان الهائل، ولكني أصر في هذه الكلمات على الاحتفاء بذكرى «أبو عبيد»، لأنه كان سيرغب منا ذلك ويصر عليه، فقد كان مؤمنا بالروح الإيجابية وحريصا دائما على بثها في كل من كان حوله. أبو عبيد، رحمه الله، كان ذواقا، له آراء في الثقافة والسفر والترحال والكتب والموسيقى وأنواع الطعام بحسب بلاده. في سنوات عمره الأخيرة ركز بقوة على العمل العام، وكانت له مساهمات بالغة الأهمية في الشأن الاجتماعي بمنطقة مكة المكرمة، وساهم في أكثر من مشروع ونظام حصد خيره عدد غير بسيط من المواطنين والمواطنات، لعل من أبرزها وأهمها مشروع الكشف المبكر عن أمراض الدم لراغبي الزواج، الذي تحول بعد ذلك إلى نظام إلزامي، وكذلك بالنسبة لمشاريع مكافحة التسول، وعلاج مدمني المخدرات، وتوظيف المرأة، وغيره من المجالات المهمة والحيوية. خسارة شخصيه بحجم وهيب بن زقر، لن يشعر بها قطاع الأعمال وحده، ولكن ستشعر بها شرائح من المجتمع عرفت عطاء وهيب بن زقر، في ظروف خاصة وسرية، لم يكن يود أن يعرفها الناس. لم يكن يوما أسير «الأنا»، وكان رجلا بلا أي نرجسية، وهذه لعمري مسألة نادرة جدا في عالم الأعمال المليء بالنفوس المليئة بهواء ساخن. فجوة كبرى وفراغ هائل سيتركه غياب وهيب بن زقر، وهو فراغ لن يملأه أحد، لأن وهيب كان، باختصار، وهيب بن زقر، وفي ذلك وصف جامع لكل من عرفه. رحم الله أبا عبيد رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.

[email protected]