أشعب الطماع

TT

أشعب الطماع من أشهر وأظرف الفكاهيين في الإسلام ومن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. وقد لقب بالطماع لا لطمعه بالفلوس كما هو الحال مع بعض ساستنا المعاصرين، وإنما لطمعه بالأكل والولائم تماما كما هو الحال مع شعراء وأدباء ومثقفين معاصرين في زماننا هذا. كان مقربا بصورة خاصة لدى الخليفة عثمان بن عفان، رضي الله عنه، لولع هذا الخليفة بالفكاهة والمزاح. وهو يمثل خير تمثيل الظاهرة التي أنا بصددها، وهي رابطة الجوع بالفكاهة في الأدب العربي، ما سميته بالجوعيات. وكان من آخر ما سمعته منها ما رواه لي أحد الزملاء.

اعتاد الشغالون السودانيون على التدفق إلى القاهرة للعمل في مصر. ولكن الآية انقلبت مؤخرا فأخذ المصريون يتدفقون إلى الخرطوم طلبا للرزق. عاد أحدهم لبيته في السيدة زينب، وجلس يروي للقوم طرائف ونكات سمعها في الخرطوم. فتح السامعون أفواههم عجبا حتى قال أحدهم: «حاجة غريبة قوي! السودانيون ينكتون! لازم بديوا يجوعون!»

جسد أشعب حالة الجوع التي أتيت على تصويرها سابقا كما اجتاحت المجتمع العربي في صدر الإسلام. وكان شخصية غريبة جدا بعينين زرقاوين وبشرة قاتمة ووجه مطواع لشتى الحركات والتعابير الكوميدية. لا أدري من أين جاء بهاتين العينين ولكن أمه كانت امرأة خاملة الذكر في المدينة ورغم أنه عرف باسم أشعب بن جبير، فلم يذكر أحد شيئا عن أبيه، جبير، مما يحملني إلى الاعتقاد بأنه مجهول الاب، ولد في الجاهلية. أشرت إليه في كتابي «السخرية السياسية العربية» بأنه كان بحق أول مهرج محترف وممثل هزلي عرفناه في تاريخ العرب. وكمهرج محترف، لم يكن يخشى الإخفاق في إمتاع مشاهديه بغنائه ورقصه وتحامقه. وقد أفرد المستشرق فرانز روزنثال دراسة مستفيضة عنه وعن فنه المستحدث، انتهى فيها إلى القول بأن نوادر أشعب تبقى أصيلة ونمطية رغم كل ما ورد في الأدب اليوناني من فكاهات مماثلة. واعتقد أن السر في نمطيتها وخصوصيتها أنها ارتبطت ارتباطا قويا بظاهرة الجوع والفقر.

أصبحت نوادر أشعب الطماع مثالا احتذاه الظرفاء في كثير من النوادر التي وردت في بطون النثر العربي، ولا سيما في كتاب الأغاني والعقد الفريد، لتعبر عن حياة الفقر والقلة والاتكالية والاستجداء التي شاعت في العصر العباسي الذهبي، حيث تزامن الفقر المدقع مع الغنى المفرط. بيد أن نوادر هذا الظريف المديني بقيت أصيلة وخالدة.

سألوه يوما عن طمعه، وما إذا كان قد التقى بأحد يبزه في الطمع، فقال نعم: «كلبة قوم شاهدتها تتبع شخصا يمضغ علكا وابتعدت بما يزيد من الفرسخ على أمل أن يرمي لها بشيء مما يأكل!» وجاء في العقد الفريد أنه سألوه «ما بلغ من طمعك؟ فقال ما نظرت إلى اثنين يتساران إلا ظننتهما يأمران بشيء لي!».

www.kishtainiat.blogspot.com