هل باكستان على وشك الانهيار؟

TT

هذا هو الوضع في الداخل، حكومة مرتبكة، وزعيم المعارضة نواز شريف صار في الإقامة الجبرية، وأخوه عُزل من منصبه حاكما لولاية البنجاب، والمحامون مستمرون في المظاهرات يطالبون بعودة القضاة، والشرطة أودعت مئات من المتظاهرين في السجون، وطالبان تعزز نفوذها في المناطق الجبلية مع تعاظم حضور تنظيم القاعدة وعملياتها. أما الوضع الخارجي لا يقل سوءا وقد وضع باكستان تحت ضغوط هائلة. الهند تهدد وتتهم المخابرات الباكستانية بالتواطؤ مع الجماعات الإرهابية التي نفذت عملية مومباي، وأفغانستان تعتبرها مسؤولة عن نجاح طالبان عسكريا، والولايات المتحدة تريد من الجيش الباكستاني مطاردة الجماعات المتطرفة، عدا عن اتهامات لإيران بأنها وراء دعم جماعات إرهابية بالسلاح لزعزعة الوضع الداخلي.

جبال المشاكل تهدد بكسر ظهر هذه الدولة الكبيرة المهمة إقليميا وإسلاميا، ولو سقط نظامها وعم فيها الفوضى فإننا نكون قد دخلنا أسوأ كابوس للمنطقة والعالم، الذي سيفوق ما شهدناه في العراق وأفغانستان. لهذا فإن إنقاذ باكستان واجب الجميع، لأن الجميع متورطون في حال سقطت باكستان.

الوضع في باكستان مهدد بالانهيار، بالرغم من إلغاء رئيس الوزراء  الباكستاني السابق وزعيم حزب المعارضة نواز شريف أمس  مظاهرة «المسيرة الطويلة» بعد أن أعلنت الحكومة إعادة رئيس المحكمة  العليا المخلوع افتخار محمد تشودري إلى منصبه، فالأطراف التي تدفعه إلى السقوط ستدفع الثمن أكثر من غيرها، سواء القوى المحلية التي تقود إلى الفوضى، أو الجار الهندي، أو الحليف الأميركي، أو حتى الخصم الإيراني.

كيف يمكن إعادة الاستقرار إلى باكستان؟ لا توجد هناك وسيلة عملية لتثبيت الأمن إلا بعودة العسكر، والعسكر نجحوا في البداية لكنهم فشلوا بعد أن استساغوا الاستمرار في حكم البلاد، كما رأينا في مأساة الحاكم السابق برويز مشرف. مع هذا يبدو أن عودة العسكر إلى الواجهة أصبحت محتملة جدا، لأن الحكومة لن تستطيع الوقوف على قدميها طويلا مع استمرار المواجهات والاعتقالات. والسجن صار مقرا تقريبا لكل الفرقاء السياسيين، حيث يزجّ كل من يصعد إلى الحكم بخصمه إلى هناك. ويستخدم نفس رجال الأمن والهراوات، التي كان يُضرب بها، لضرب خصومه. إنها حالة فوضى لا يمكن أن تبقي زرداري طويلا ولن توصل نواز شريف إلى الحكم وإن وصل لن يهنأ به هو الآخر.

ما العمل؟

لأن الفوضى في باكستان متعددة الأطراف، فالحل الواحد مستحيل، لكن مع هذا تملك دول المنطقة المعنية شيئا من التأثير على القيادات الباكستانية، وهي إن لم تتحرك سريعا وتحاصر الحريق اليوم فلن تقدر على فعل شيء عندما تنهار باكستان. بإمكانها أن تضغط على كل القوى للقبول بصيغة عمل سياسية تنبع من نفس المشروع الانتخابي الذي يتنازع عليه الجميع. حيث لا يوجد حل آخر لأن إقامة حكومة مشتركة بين القوى، أي وطنية كما نسميها عادة، ستشعل المزيد من الخلافات، وإعادة العسكر سيعني توسع حالة العصيان المدنية. وبالتالي فإن الاحتكام للانتخابات والقبول بنتائجها وضمان انتقال الصلاحيات، ربما يخفف من التراشق. ما عدا ذلك يبقى إقناع الجميع بالقبول بالحكم الحالي، وإقناع الرئيس بإشراك بعض القوى والمساعدة على تهدئة الوضع مؤقتا على الأقل. وعلى الأميركيين ألا يدفعوا الباكستانيين نحو حرب على القبائل لأنهم لن يربحوها، وتجربة العراق باستمالة العشائر كانت البديل عن محاربتها، ويفترض أن تتكرر المحاولة في باكستان إنما من خلال السلطات الباكستانية لا من خلال المخابرات الأميركية، كما يحدث الآن.

[email protected]