كوكتيل مرعب

TT

مسلسل الانهيار المالي الكبير ومحاولة الفهم تبدو عصية على الكثير، إن لم نقل على الجميع. شركات تحتضر ودول تدخل في غيبوبة مالية، ومئات الآلاف يفقدون وظائفهم، والكل حاله وتعليقه مثل سائق سيارة التاكسي بالقاهرة الذي كتب على سيارته من الخلف حكمة بالغة الدلالة «ما حدش فاهم حاجة». نصاب اسمه برنارد مادوف تمكن من «سرقة» 65 بليون دولار من كبار الشخصيات الثرية والمؤسسات في أمريكا (ومعظم هذه الشخصيات مؤثرة ومحورية وبالغة «الذكاء» ولكنها أيضا شديدة الجشع كما يبدو)، القيمة السهمية لعمالقة الاقتصاد مثل بعض المؤسسات والشركات التي, وصلت لمستويات بالغة الدنو، وأصبحت قيمتها متدنية إلى درجة لا يمكن تصديقها.

واستمرارا لمسلسل الذهول والتغيير وتوقع كل شيء، ها هي سويسرا بلد السرية المصرفية الأشهر تعلن عن تنازلها عن حقها الأشهر بعدم الإفصاح عن السرية بخصوصية المودعين في مصارفها، وتقول إنها ستقدم البيانات المالية بداعي الضريبة «وستلحق في ذلك النمسا ولكسمبورغ»، وهذا الخبر يشكل «زلزالا عنيفا» في أسواق المال. واليوم ها هي اليابان تدخل عالم خطط الطوارئ وتقدم خطتها للإنقاذ المالي، بعد أن فعلت ذلك أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا (تجدر الإشارة هنا إلى أن كندا هي الدولة الوحيدة في الدول الصناعية الكبرى التي لم تضطر للقيام بإطلاق خطط كبرى لإنقاذ اقتصادها، لأنه كما يبدو الاقتصاد الكندي هو الأقل تأثرا بسبب التشريعات الإدارية المعقدة الموجودة في النظم المالية بكندا).

واليوم تدخل الصين وبقوة على الخط لترسل إشارات تحذير وإنذار شديدة عن تحفظها في تقييم الديون الأمريكية، وبالتالي عن إمكانية «الاستمرار» في تمويل تلك الديون. واليوم الصين وأمريكا تلعبان لعبة خطيرة كرقص التانغو على أصابع الديناميت، فالصين تحتاج لمصانع أمريكا وزبائنها لتصريف بضائعها، وأمريكا منزعجة جدا من التمدد العسكري للصين في آسيا مع ازدياد المناوشات البحرية بينهما، ولكن أمريكا تحتاج الصين وأموال الصين الفائضة لسداد العجز وتمويل الديون. إنها لعبة الموت الجديدة التي تكلف العالم كثيرا. لن تنفض سنة 2009 إلا مع سقوط شركات كبرى في مجالات مختلفة وسنرى تكتلات «غريبة» وغير تقليدية ستكسر فيها قوانين عدم الاحتكار كما كسرت قوانين تأميم الشركات بدخول الدول كمالك أصيل في الشركات والمصارف المختلفة. هذه ليست توقعات فلكية، ولكنها محاولة قراءة ما بين السطور في عالم مضطرب تعاد كتابة قواعد اللعبة الجديدة فيه بصورة يومية. أزمة طالت كل العالم ستعيد ولا شك كتابة اللعبة المالية فيه وبسرعة.

[email protected]