دول الجوار.. والحوار

TT

تخترع لغة الدبلوماسية الكثير من المصطلحات التي تفرض نفسها على الساحة وتظهر في أحيان بتكرار ملح يعكس حالة قلقة من وضع سياسي أو جغرافي أو تغير في موازين القوى يزعج أطرافا في منطقة إقليمية معينة، مثلما يتكرر في الحالة العربية الآن، وبشكل متواتر، مصطلح دول الجوار والعلاقات معها.

وهو مصطلح ينصب بشكل كبير في اللغة الدبلوماسية المتداولة في المنطقة على العلاقات مع إيران باعتبارها دولة جزءًا من منطقة الشرق الأوسط، متداخلة بشكل كبير مع مصالح المنظومة العربية أو ما يراد أن يكون منظومة عربية إذا أخذنا بعين الاعتبار أن وجهات النظر ليست كلها متفقة في إطار الدول العربية التي تشكل المساحة الطاغية سياسيا وجغرافيا في الشرق الأوسط.

هذا التداخل أخذ منذ فترة شكل الاشتباك بين أطراف عربية رئيسية وإيران الذي تغطيه لغة الدبلوماسية الناعمة التي تحافظ على ما هو مشترك، ثم تصاعد أخيرا ليأخذ لغة أكثر صراحة مع ازدياد قدر التصادم في السياسات والمصالح، وليعكس زيادة في درجة التوتر بالعلاقات ترافقت مع اتساع البؤر الساخنة في المنطقة والتهديد للنظام الإقليمي نتيجة ما تراه هذه الأطراف من تشجيع ودعم إيراني لميليشيات ومنظمات تطرح نفسها بديلا عن النظام الرسمي العربي، ولا تخفي أجندتها في التشكيك في شرعية هذا النظام والرغبة في إسقاطه.

وفي إطار هذا التصاعد تسارعت وتيرة الاحتكاكات الدبلوماسية في الأشهر والأسابيع الأخيرة، ورأيناها في الأزمة الدبلوماسية التي نجمت عن التصريحات الإيرانية بشأن البحرين والتي شهدت أخذاً ورداً قبل أن يعلن البلدان تجاوز أزمة هذه التصريحات التي لم يكن يصح من البداية إصدارها، كما رأيناها أخيراً في قطع المغرب علاقته الدبلوماسية مع إيران في إطار تداعيات أزمة هذه التصريحات إضافة إلى أسباب مغربية أخرى أعلنتها الرباط حول التدخل في شؤونه، كما رأيناها في تصريحات سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب والتي دعا فيها إلى رؤية عربية للتحدي الإيراني للأمن العربي، وقبلها كانت هناك تصريحات متكررة لمسؤولين عرب وعلى الأخص المصريين عن تدخلات طهران في قضايا المنطقة واستخدامها قضاياها كأوراق في الأجندة الخاصة بها.

عربيا ـ وكما في ملفات أخرى ـ فإنه ليست هناك رؤية واحدة تجاه المسألة الإيرانية، فبينما يرى فريق يمثل الأغلبية تقريبا أن تدخلاتها تتصادم مع مصالح المنطقة كما حدث في لبنان وغزة والعراق، فإن هناك فريقاً آخر لأسباب أو أخرى خاصة به يرى الوضع أو مصلحته بشكل مختلف ويسهم بشكل أو بآخر في السياسة الإيرانية في المنطقة. وقد ظهر هذا الانقسام في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير في القاهرة عندما طرح هدا الفريق فكرة تبني حوار عربي إيراني في إطار الجامعة العربية، وحدث جدل ورفضت الفكرة ضمنياً بتأجيلها إلى موعد آخر غير محدد، وإن كانت المؤشرات تشير إلى أنه قد يجري محاولة طرحها مجدداً في القمة المقبلة في الدوحة.

ولا يعتقد أن هناك طرفاً عربياً ضد فكرة الحوار بشكل مبدئي، فإيران دولة جارة، ولها أهميتها الإقليمية، لكن لكي يكون أي حوار مثمراً فإنه يحتاج إلى أسس وقواعد يمكن أن يبنى عليها، وقد عكس تصريح سعود الفيصل، يوم الاثنين، بعد زيارة متقي وزير خارجية إيران، عن أن التأييد الإيراني للقضايا العربية يجب أن يكون من خلال باب الشرعية - عكس رسالة صريحة، فالتعامل يجب أن يكون من الباب وليس من الشباك، فالمنظمات أياً تكن الشعارات التي تسبغ عليها لن تكون بديلا عن الدول، وإلا يكون الذي يشجع لا يبحث عن مصلحة ولكن عن فوضى وخراب، كما أن القضايا الملتهبة وعلى رأسها الفلسطينية أخطر من أن تكون مجرد ورقة تستخدم في صراع أوسع لا علاقة لها به.