هل وصلت إيران حدود المغرب؟

TT

المسافة من طهران إلى الرباط لا تقل عن 5200 كيلومتر، والعاصمة المغربية هي أبعد نقطة عربية على الخريطة من إيران، ورغم هذا فقد بدأت الحكومة المغربية بالشكوى من التدخلات الإيرانية، فكيف بإمكان هذه الدولة البسيطة الإمكانات الانتشار في كل مكان مهما بعد؟ هل هي مجرد دعاوى سياسية لتشويه سمعة الإيرانيين، أم أنهم يملكون مشروعا لا يقف في وجه قوة ولا تحد منه مسافة؟

الحقيقة لا أجد سببا يجعل المغاربة يفتعلون معركة مع الإيرانيين إلى درجة قطع العلاقات التي تعتبر أقسى وسائل الاحتجاج الدبلوماسية. فالرباط على علاقة مقبولة مع طهران، وتحاشت خلال الفترة الماضية الانخراط في الجدل ضد مواقف إيران وممارساتها في المنطقة، خاصة إذا عرفنا أن المغرب شارك في قمة الدوحة الصغيرة التي قاطعها معظم العرب بسبب دعوة الرئيس الإيراني ليلقي خطابا. المغرب حضر القمة، كما حضر قبلها قمة دمشق رغم احتجاجات عربية عديدة على علاقة دمشق بطهران.

لدى المغرب حساسية عالية ضد الدعاية الدينية مهما كان مصدرها، وقد اتهم صراحة إيران بأنها تقوم بعمليات تبشير شيعية واسعة في بلد كل سكانه المسلمين سنة ومعظمهم من المذهب المالكي. السؤال: ما الذي دفع بلدا منفتحا ومعروفا بحمايته للحريات الفكرية للغضب إلى درجة قطع علاقته الدبلوماسية ردا على نشاط فكري ديني؟ السبب أن البعثة الدبلوماسية الإيرانية في الرباط هي الطرف المتورط، فيما سمته المغرب ممارسات منافية للأعراف الدبلوماسية.

من الخطأ اتهام المغاربة بأنهم جزء من الدعاية السياسية المضادة لإيران، وتخويف السنة من التمدد الشيعي، لأن المغرب سبق أن شن حملة كبيرة ضد الحركة السلفية المتشددة السنية، لأنه يعتبرها مسؤولة عن التطرف المرتبط بالعنف. وقد شملت الحملة اعتقالات ومصادرة كتب سنية تراثية، وأشرطة لدعاة سنة من السعودية ومصر وغيرهما.

الفارق أن التطرف السلفي نشاط فردي ومن جماعات غير حكومية، أما التغلغل الشيعي فهو جزء من نشاط المؤسسة الإيرانية الرسمية، كما يؤكد المغاربة. وقد سبق أن اعتقلوا خلية مغربية قيل إن حزب الله دربها في جنوب لبنان، ويقول المسؤولون «إن جزءا من المغاربة المقيمين في الخارج كان هدفا لممارسات إيرانية تفرض على المغرب رفع درجة اليقظة».

السؤال يكرر نفسه لماذا التشييع ولماذا الانتشار؟ أعتقد أن إيران قررت مبكرا اعتماد حرب هجومية ضد ما تعتبره المؤسسات الدينية التقليدية والرسمية في الدول العربية بشكل عام، وتحديدا في الدول التي تعتبرها في دائرة الاختلاف السياسي، بما فيها المغرب وإن لم يكن طرفا مباشرا في النزاع. الجماعات الإيرانية والمحسوبة على إيران تنشط في أوروبا وأفريقيا وأستراليا ومعها رسالة سياسية ودينية تعظم موقع إيران كقائدة للعالم الإسلامي. وهذه الرسالة تمارس كل ما تستطيعه للوصول إلى قلب المجتمعات العربية التي صارت إيران تعتبرها بعدها الاستراتيجي. إنها تمثل مشروعا سياسيا أكثر من كونه دينيا، وهو يعبر عن حالة جنون العظمة الذي تعكسه خطب القيادات في طهران، وكل ذلك على حساب ميزانية وأموال الشعب الإيراني.

[email protected]