هدبة الثوب

TT

ليس هناك إنسان لا يندم.

فما أكثر ما ندمت وتحسرت على (الفرص) التي ضاعت من بين يدي وذهبت إلى غير رجعة، وأنا أنظر لها بكل بلاهة، وبدلا من أن ألوم نفسي على بلادتها، أخذت أوجد الأعذار الواهية لها، وأصب جام غضبي وعتبي على الآخرين، وكأنهم هم السبب الرئيسي في حجب الذكاء والألمعية عن عقلي المتحجر.

ولا أستبعد أن أغلبكم، إن لم تكونوا جميعاً على شاكلتي في الأسى والندم والأسف على ترددكم في وقت ما، على اتخاذ قرار ما، لفرصة ما.

والإنسان بطبيعة الحال لا يعلم الغيب، وقد يكون ما ضاع منه (فيه الخيرة) مثلما يردد هذا الكلام البسطاء المؤمنون من الناس.

وقبل أيام أتاني أحدهم وهو يسب ويلعن، وعندما هدأت من انفعاله قليلا وسألته عن الخبر، وإذا به ينطلق كالمدفع الرشاش قائلا: إنها زوجتي لا بارك الله فيها، لقد افتعلت معي خناقة وصلت إلى عنان السماء، وختمتها قائلة: لو أنني تزوجت بدلا منك يا (عرّة الرجال)، ذلك الرجل الذي خطبني قبلا منك لكنت الآن أنعم في قصره الممتلئ بالخدم والحشم، بدلا من شقتك (المعفنة) هذه.

اضطررت أن أقطع كلامه، وللأسف أنني بدلا من أن (أكحلها عميتها)، لأنني قلت له: كان من المفروض أن (تلقمها حجراً) وتقول لها: احمدي ربك، فأفضل لك أنك تزوجتِ من حمار تركبينه بدلا من حصان يصقلك أو يرفسك.

ويبدو لي أن كلمتي الأخيرة هذه قد جرحت مشاعره وأحس بالإهانة ـ ومعه كامل الحق في ذلك ـ، فازداد غضب الرجل أكثر طالباً مني الاعتذار على ما بدر مني، وكيف أنني وصفته بالحمار!

الواقع أنني ندمت وأحرجت كثيراً على وصفي ذاك الذي تسرعت به رغم حسن نيتي المعهودة. اعتذرت له بشدة طالباً منه أن (يمسحها بوجهي)، ولا أدري إلى الآن هل قبل اعتذاري أم لا، لأنه لم يتم كلامه وخرج من عندي دون أن يستأذن.

ولكنني أظن أن الكثيرات من النساء هن على شاكلة تلك الزوجة، فتأخذ الواحدة منهن تتحسر على شبابها الذي ضاع مع زوجها المسكين الذي أخذ يشقى ويكرف طوال حياته من أجلها وأجل عيالها، وبدلا من أن تنتبه وتحسن من جسمها الذي أصبح يشبه شجرة الجميز، جعلت (حرتها) في ذلك الزوج (المعتر).

وليس هناك أقسى من المرأة إذا غضبت، أو (ديس على طرف ذيلها)، يا لطيف الطف!

وعلى ذكر الندم، فهناك رجل لا زال حياً يرزق، كان في يوم من الأيام مجرد معقب في إحدى الوزارات، لا يأتي نصف الشهر إلا وهو مستدين، وبحكم علاقته مع أحد أصحاب المكاتب العقارية، ضرب معه الحظ وكأنه يلعب على طاولة (روليت)، وإذا به بين عشية وضحاها يغدو من أصحاب الملايين ولا يخاطبه الناس إلا بلقب (الشيخ)، وبدلا من أن يحمد ربه على ذلك، لا تجده وبعد أن بلغ العمر عتياً إلا أن يتحسر ولسان حاله يقول: أينك أيتها الملايين عندما كنت في قمة شبابي و(عنفواني)، أما الآن وقد أصبحت (عاجزاً) فماذا سوف تنفعني الملايين؟!، وقد ذهب إلى أقاصي العالم يستنجد بالأطباء، ويتناول الحبوب (المقوية) من جميع الأصناف، ولكن (مافيش فايدة)، ولا أنسى منظره في أحد الأيام وهو (يتف) على هدبة ثوبه[email protected]