وطن بلا قيامة

TT

انتقى فؤاد شهاب لوزارة الخارجية اللبنانية وزراء من فئة فيليب تقلا وحسين العويني وفؤاد بطرس. وقد أصبح تقلا وزيراً للخارجية مع سليمان فرنجية عندما دهمت لبنان الحرب. وذات يوم غادر منزله إلى مكتبه فرأى جثة في الطريق، فعاد إلى منزله وحزم حقائبه وسافر إلى باريس، حيث نفى نفسه حتى أيامه الأخيرة.

وسألته ذات مرة لماذا تخلى بهذه السرعة عن موقعه، فقال: «هل قرأت رواية «الطاعون» لألبير كامو؟ إنها تبدأ بأن يرى بطلها الطبيب جرذا نافقا على باب منزله، فيدرك فورا أن الطاعون قد حل بالمدينة. لقد أدركت أنها الحرب ولا أريد أن أشارك فيها ولا أن أكون شاهد زور عليها».

في مذكراته الصادرة حديثاً عن «دار النهار» يروي الوزير فؤاد بطرس حكاية السنوات التي أدت إلى الحرب وتفكك الدولة، بادئاً بانضمامه إلى فريق فؤاد شهاب العام 1959 كوزير للتربية أولا. وعندما استدعاه شهاب إلى القصر الجمهوري، سأل: «ولكن أين يقع القصر؟» فأجابه مدير غرفة الرئاسة: «تعال بسيارتك إلى بلدة صربا. وهناك في الساحة اسأل عن منزل الرئيس». وعندما التقيا قال شهاب: «يجب أن نبني دولة نضم إليها اللبنانيين، لأنه لا وطن من دون دولة».

يرى فؤاد بطرس لبنان دولة فاشلة منذ البداية عاجزة عن القيام، وقد أمسك بمقاديرها سياسيون بلا ضمائر أو مشاعر. يقول له فؤاد شهاب: «لقد راقبت السياسيين من قيادة الجيش طوال ربع قرن. في لبنان المصلحة الخاصة والفساد والمراوغة والإقطاع أمور مستشرية جداً، بحيث بات من الصعب على المرء إيجاد شخص خلوق ونظيف الكف لكي يوليه المسؤولية. لحسن الحظ لدينا قطار في لبنان وأظنه الشيء الوحيد الذي يسير في خط مستقيم في هذا البلد».

للأسف، لم يعد هناك قطار في لبنان الآن. وفؤاد بطرس، المولود العام 1917، تمتلئ مذكراته بالدراميات اللبنانية التي لا تنتهي ومآسي البلد الذي لا يلتحم. ولكن من أجل أن نفهم تاريخ لبنان الحديث ونقاط التحول وعقبات القيامة كبلد موحد، لن نجد أفضل وأصدق من شهادة بطرس. ولا أرقى أيضاً.