الكويت والديمقراطية العرجاء

TT

طبعا هناك ثلاثة افتراضات خاطئة، الأول أن تفترض أن السلطة تريد طائعة قيام معارضة لها شرعية أو غيرها. والثاني أن تفترض أن هدف المعارضة فقط الإصلاح، لا الوصول إلى الحكم. والوهم الأخير أن تفترض أن الديمقراطية غريزة تولد مع الإنسان ولا تحتاج إلى وعي شعبي بها.

في الكويت كل الأوهام الثلاثة، رغم التجربة الرائعة والطويلة للمشاركة الشعبية، والهامش الجيد لحرية التعبير السياسي تحت قبة البرلمان وخارجه. المشكلة الأولى أن الحكومة تفاخر بالديمقراطية وفي الوقت نفسه ترفض أن يتم استجوابها. ما قيمة برلمان بلا استجواب، فالاستجوابات هي التي تميز الديمقراطية الحقيقية من المزيفة. وهذا ينطبق على رئيس الحكومة طالما أن الدستور لا يمنع مساءلته، وهنا على الأسرة الحاكمة أن تقرر، إما أن ترضى بالديمقراطية بما تعنيه من استجوابات لوزرائها وما قد تعنيه من إسقاط لحكوماتها، أو تترك المناصب المباشرة التي يجوز استجوابها، أو تعلن التراجع عن النظام البرلماني كشريك في الحكم، حيث لا يوجد في النظام البرلماني وزير يجوز استجوابه وآخر محصن من المساءلة. والدستور الكويتي أعطى صراحة الحق للبرلماني في استجواب كل أركان الحكومة بمن فيهم رئيس الوزراء، الذي يجوز استجوابه لكن لا يسمح بطرح الثقة فيه، وبالتالي لم يرتكب أعضاء مجلس الأمة المعارضون هذه المرة مخالفة دستورية وإن كانت تنقصهم الحصافة، فالدستور هو المرجع القانوني للدولة.

المشكلة الثانية تكمن في المعارضة الكويتية نفسها، حيث إنها تريد لوحدها أن تحكم المجتمع بكل فئاته، وهذا مفهوم لا يجوز إلا في أنظمة الأحزاب الشمولية. فالديمقراطية لا تلغي حق الآخرين، حتى لو كانوا أقلية عرقاً أو ديناً أو فكراً. وقد سجلت الكويت تراجعات مخيفة في عهد الديمقراطية في مجالات التعبير والحريات وحقوق الأفراد. كما أن السلطة البرلمانية التي تسببت في تعطيل الكثير من المصالح ليست أعلى من التنفيذية، أي الحكومية، بل توازيها. الخلل في العلاقة بين السلطتين مصدره ضعف الدستور الذي يعطى البرلمان صلاحيات تعطيل كثيرة، ذلك جعل الحكومة معطلة بسبب كثرة الاستجوابات وسهولة حجب الثقة، حيث يملك البرلمانيون في الكويت من سلطات أكثر مما يحظى بمثله زملاؤهم في الكونغرس الأميركي. حلا للأزمة المتكررة أن تتدخل السلطة الأميرية وتطلب تعديل الدستور ليحمي الحكومة من كثرة الملاحقات وحل الحكومة، فقد صارت المعارضة في الكويت تفتعل الفوضى، وأحياناً حول قضايا تافهة. لكنها فعلتها دائما بشكل قانوني مما أدى إلى تكرار حل الحكومة والبرلمان معا بدرجة مقلقة وربما خطرة على أمن الكويت كما حدث في الفوضى والمصادمات التي سبقت غزو صدام البلاد في عام 90.

المشكلة الثالثة تكمن في ضعف الوعي العام، فالديمقراطية ليست قرارا حكوميا بل رغبة شعبية مبنية على ممارسات تراكمية. وهذه علة الديمقراطية في العالم الثالث، لا الكويت وحدها. وضعف الوعي سبب في التناحر داخل مجلس الأمة على قضايا هامشية مثل منح داعية تأشيرة، أو فسح كتاب، أو زيارة مسؤول أجنبي، وبلغ التهاون وإساءة استخدام مقام المجلس بالدعوة لإسقاط الديون، ومنح مكافآت لكل الموظفين الكويتيين دون اعتبار لظروف الدولة. فالمعارضة تحاسب الحكومة على مصروفات صغيرة وتقوم بدورها بمنح مبالغ هائلة من باب استمالة الناخبين.

[email protected]