هل قلتم بن لادن!

TT

بالكاد أمكن لمتتبعي الأخبار ملاحظة خبر الرسالة الصوتية الجديدة لزعيم القاعدة أسامة بن لادن التي بثتها قناة «الجزيرة» وبعض المواقع الإخبارية قبل أيام.

إنها المرة الستون التي يخاطب فيها زعيم «القاعدة» أو أحد معاونيه الرأي العام منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001..

الفرق هائل بين وقع الرسالة الأولى قبل نحو ثماني سنوات وبين وقع رسائله اليوم..

مرة جديدة يتأكد كم بات باهتاً وواهناً حضور المرشد الروحي لـ«القاعدة» الذي كانت صورة أو كلمه له تشغل الإعلام لأيام.

في رسالته الصوتية الأخيرة وغير الطويلة نسبياً مقارنة برسائل سابقة، رسم بن لادن خريطة سياسية جديدة من خلال اتهامه لزعماء عرب بالتآمر مع الغرب ضد المسلمين، ومن خلال دعوته لتحرير فلسطين عبر الأردن والعراق..

هذه المعطيات السياسية التي رسمها بن لادن لا تكتسب أهميتها من وقائع يتحدث عنها الرجل، خصوصاً أننا لم نعهد لـ«القاعدة» أي دور فعلي فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.. منذ تفجيرات عمان عام 2005 لم يعد للقاعدة أي ظهور أو عمل في الأردن ومنذ عام 2007 بدأت عمليات القاعدة في العراق بالتراجع كما ضربت بنيتها الأساسية إلى حد كبير.

إذن بقي من خطاب بن لادن وظيفته الإعلامية، بعد أن فقدت «القاعدة» دورها كشبكة متماسكة تحاول الاستعاضة عن تفككها بوظيفة إعلامية، وليس غريباً أن يخصص بن لادن بعض الإعلام في رسالته من خلال دعوته إلى إقامة هيئة من رجال الدين لوضع قائمة تحذر المسلمين من المنافقين ووسائلهم ولا سيما الإعلامية مسمياً بعض القنوات التي يعتبرها خطرة ويحذر من مشاهدتها...

لم يكتف بن لادن بأن فقد موقعه كمرشد روحي وقائد عسكري ميداني، بل تحول إلى شبه ناطق إعلامي ومنظر في شؤون الرأي والتعبير، وهذا ما عكسته بوضوح رسالته الأخيرة. هذا الأمر يقتضي التفكير في جدوى اعتبار بن لادن قيمة خبرية أو على الأقل قيمة خبرية مهمة وبارزة من قبل وسائل إعلام ما زالت تقدّم خبر رسالته الصوتية في مطلع نشراتها على غيره من الأخبار التي هي بالتأكيد باتت أكثر أهمية من خبر رسالة بن لادن..

تكمن أهمية بن لادن في أنه متوار عن الأنظار وأنه مطلوب للعدالة الدولية ولا يبدو اليوم أن له أهمية أخرى غير ذلك. حتى المنطقة التي يعتقد أن بن لادن متوار فيها عن الأنظار تشهد من حين لآخر حروباً ومعارك بين الأميركيين وحركة طالبان أو بين طالبان والجيش الباكستاني، وبالتالي لم يعد هناك دور فعلي لـ«القاعدة». فحركة طالبان باشرت منذ مدة حوارات مع الأميركيين ومع الحكومة الباكستانية، وبالتالي انعدمت القيمة الإضافية التي كانت تشكلها «القاعدة» في علاقتها مع تلك الجماعة..

هنا يتساءل المرء إزاء احتفاء بعض الإعلام برسالة لأسامة بن لادن عن القيمة الخبرية للرجل الذي بات حاله حال الآلاف من المتوارين عن وجه العدالة في العالم.

diana@ asharqalawsat.com