ما لطمع الطماع من حدود

TT

هكذا لقبوا أشعب بالطماع، لحكايات كثيرة وردت عنه. ولا بد أن كان لبعضها، على الأقل، من أساس واقعي على مستوى الحياة اليومية لشعب أضناه الجوع والفقر.

ورد في كتاب الأغاني أنه قال: «مررت بامرأة تصنع طبقا، فقلت لها: بالله عليك زيدي فيه ووسعيه. قالت: لماذا؟، قلت: لعله يُهدَى إليَّ فيه شيء. ولأن يكون كبيرا يسع كثيرا، خير من أن يكون صغيرا!».

وقد أورد صاحب «العقد الفريد» نفس الحكاية، ولكن بصيغة أخرى.

وجاءت على غرارها أمثلة أخرى لطرائف رويت عنه. راح يصف ما يدور بخلده، فقال «ما رأيت اثنين يتسارّان في جنازة، إلا وقدرت أن الميت قد أوصى بشيء لي». وله قول مقارب من ذلك، ورد في «وفيات الأعيان» لابن خلكان، أنه ما رأى دخانا ينبعث من بيت جاره، إلا وأثرد الخبز لعمل الثريد!

وهي من الطرائف «الجوعية» التي أصبحت أساسا لكثير من حكايات البخلاء والطفيلية في العهود التالية من التاريخ العربي.

وقد ذكرت في حلقة سابقة كيف أنه لم يجد مخلوقا أكثر طمعا منه غير كلب تابع لمسافة طويلة رجلا يمضغ علكا، أملا في أن يرمي له بشيء منه، ولكن أشعب روى حكاية مشابهة عنه شخصيا. قال «تبعت الضحاك بن مخلد وهو يريد بيته، فالتفت إليَّ، وقال: ما لك يا أشعب؟ قلت له: يا أبا عاصم، رأيت قلنسوتك قد مالت فتبعتك، لعلها تسقط فآخذها. فنزعها من رأسه وأعطانيها!».

وحكى فقال إن امرأة جاءته بدينار لتودعه عنده، فأخذه ووضعه تحت الفراش. وجاءت بعد أيام لتتفقد الدينار، فقال لها انظري إياه تحت الفراش، وخذي ولده. وكان قد وضع بجانبه درهما. فتركت الدينار، وأخذت الدرهم مسرورة راضية. وعادت بعد أيام؛ فوجدت معه درهما آخر. فأخذته كذلك. وعادت في اليوم الثالث، فوجدت مثله وهكذا. فلما جاءت في اليوم الرابع، وجدت أشعب ينحب ويتباكى متألما. فقالت له: ما يبكيك يا أشعب؟ فأجابها: مات الدينار في النفاس! فقالت: وكيف يكون للدينار نفاس؟ فأجابها «يا حمقاء! تصدقين بالولادة ولا تصدقين بالنفاس؟!».

ربما نستأنس بهذه الحكاية الطريفة، دون أن نأخذها بمأخذ الجد، وقد تكون من إضافات العهود اللاحقة، بيد أن «جوعيات» أشعب تتجلى بأصدق صورها النمطية في جولاته وصولاته في الولائم والمآتم، مما سنتعرض إليه في الحلقة القادمة، إن شاء الله.

www.kishtainiat.blogspot.com