عشرة أيام حتى قمة الدوحة قد تهز المنطقة وتربك الأوضاع العربية!

TT

غير مضمون انعقاد قمة الدوحة وفقا لما سعى إليه العرب الخيرون، رغم أنه لم يبق على موعد انعقادها المقرر إلا أيام قليلة، فالعراقيل لا تزال تتلاحق، ودق الأسافين لم يتوقف، والشوكة الإيرانية لم يتم اقتلاعها من حلق طريق هذه القمة بصورة نهائية بعد، ثم هناك من اضطر إلى وضع أقدامه في دائرة التضامن العربي لكن عقله وقلبه لا يزالان في دائرة ما أطلق عليه أصحابه تحالف «المقاومة والممانعة»، لأغراض وأهداف باتت معروفة ولا داعي للحديث عنها بالمزيد من الاستفاضة.

منذ البداية عندما اتخذ العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز ذلك الموقف الشجاع في قمة الكويت، وأعلن أنه لا خلاف بين العرب بعد اليوم، كان معروفا أن الجهود الخيرة ستتركز في اتجاه ألا تتكرر تجربة قمة الدوحة الاستثنائية، وأن تكون القمة العربية المقبلة قمة عربية بالفعل، وألا يدعى إليها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لأن حضوره سيعني غياب دول عربية رئيسية وأساسية، وأن تكون مشاركة الفلسطينيين فيها من خلال الرئيس محمود عباس (أبومازن) والسلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وليس من خلال تنظيمات معظمها قيادات بلا قواعد ولا وجود فعليّ لها، لا في غزة ولا في الضفة الغربية.

ولذلك فقد كان المفترض أن تكون قمة الرياض الرباعية، التي بُذلت جهود جبارة من أجل عقدها، المدخل الرئيسي إلى قمة الدوحة، وأن يكون ما تم الاتفاق عليه فيها ملزما، وأن تكون جابّة لما قبلها، وأن تصبح كل الطرق بعدها آمنة وسالكة نحو المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية، ونحو تمهيد السبل لتكون الانتخابات اللبنانية المقرر إجراؤها في السابع من يونيو (حزيران) المقبل بلا منغصات ولا تدخلات خارجية، ولتكون نتائجها غير ثأرية ولا ترجمة للتطلعات الإقليمية المعروفة. كان المفترض بعد قمة الرياض الرباعية أن تتوقف محاولات التسلل الإيراني في الملعب العربي، وأن تنتهي معزوفة ضرورة دعوة محمود أحمدي نجاد لحضور أي قمة عربية بحجة أن دولته دولة مجاورة شقيقة، وأن حضورها يقلص هوامش الخلافات والاختلافات معها، ويعزز عوامل التفاهم على ما هو مشترك وفي مصلحة الجميع.

لكن ثبت، وهذا يجب أن يقال مع الحرص كل الحرص على أن تنعقد قمة الدوحة وفقا لما أراده الخيرون الذين هم الأكثر حرصا على التضامن العربي والمصالح العربية العليا، أن محاولات التسلل الإيرانية إلى الملعب العربي لم تتوقف، وأن هناك إصرارا على إحضار محمود أحمدي نجاد إلى هذه القمة بحجة أن مسيرة التضامن التي بدأت بقمة الكويت وكانت لها وقفة أساسية جادة في قمة الرياض الرباعية، يجب أن تشمل إيران، وأنه لا نجاح لها دون دعوات الوليّ الفقيه وابتهالاته ومباركته!

كانت إيران من قبيل المشاغبة وإظهار أنها قطب الرحى والرقم الصعب في معادلة هذه المنطقة، قد افتعلت افتعالا قمة طهران الأخيرة للمشاغبة على قمة الرياض الرباعية، وكانت قبل ذلك قد دعت إلى مؤتمر برلماني إيراني ـ عربي للمشاغبة على مؤتمر اتحاد البرلمانات العربية الذي انعقد في مسقط، ورفض مشاركة علي لاريجاني فيه، وكانت أيضا قد ردّت على مؤتمر شرم الشيخ الذي كانت مصر قد دعت إليه لإعادة إعمار غزة، بالدعوة إلى مؤتمر انعقد في العاصمة الإيرانية في اليوم ذاته واقتصر حضوره على بعض التنظيمات المشاغبة وعلى بعض الدول التي تربطها أواصر قربى مع تحالف «الممانعة».

ما كان يجب أن يثار إشكال دعوة محمود أحمدي نجاد لحضور قمة الدوحة مرة أخرى، وما كان يجب أن تدعو إيران إلى قمة أخرى متزامنة مع قمة الرياض، وما كان يجب أن يحاول الإيرانيون اختطاف بعض الرؤساء العرب من هذه القمة الرباعية الأخيرة، وما كان يجب أن يذهب قائد عربي إلى طهران لحضور قمتها بينما تنشغل عاصمة عربية بقمة هدفها إنجاح القمة العربية المقبلة، ولتكون هذه القمة قمة عربية بالفعل.

ربما أنه لا اعتراض من حيث المبدأ على مشاركة رئيس دولة إسلامية مجاورة شقيقة كمراقب في أي قمة عربية لو أن هذه الدولة لا تتدخل تدخلا سافرا في الشؤون العربية الداخلية، ولو أنها لا تحتل الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها، ولو أنها لا تبذل كل هذه الجهود التي تبذلها لشطب الرقم العربي من معادلة هذه المنطقة، ولو أنها لا تلعب دورا تخريبيا في العراق وفي لبنان، ولا تحشر أنفها حشرا في القضية الفلسطينية، ولو أنها لا تستند إلى إرث قومي متزمت يعتبر أن العرب هامشيون وأنهم بلا ثقافة ولا حضارة، وأنهم مجرد رعاة إبل غلاظ أكباد!

كان على الذين حاولوا اعتراض مسيرة التضامن العربي، التي بدأت بعد سنوات الضياع وذهاب الريح بالوقفة الشجاعة التي وقفها الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة الكويت، بتشجيع التسلل الإيراني في الملعب العربي وحشد كل المبررات لتمريره وتسويقه، أن يدركوا أن حضور محمود أحمدي نجاد قمة الدوحة بأي حجة من الحجج يعني غياب المملكة المغربية التي لا يزال استهداف طهران لها ماثلا للعيان، وغياب دولة الإمارات العربية المتحدة وغياب مصر وغياب دول عربية أخرى من غير الممكن أن تحضر على مستوى القادة والرؤساء، إذا غابت هذه الدول الثلاث التي هي دول أساسية ورئيسية عن هذه القمة.

لم يبق على موعد انعقاد قمة الدوحة المتفق عليه، الذي هو اليوم الأخير من شهر مارس (آذار) الحالي، إلا عشرة أيام، وهي أيام ستهز هذه المنطقة وستهز الوضع العربي كله إن لم تتوقف محاولات التسلل الإيراني لإقحام محمود أحمدي نجاد على هذه القمة، وإن لم تتوقف الاستفزازات التي لا تزال تمارس ضد بعض الدول، ومنها على سبيل المثال «استضافة» محمد حسنين هيكل على شاشة «الجزيرة» ليجدد شتائمه وافتراءاته التي بقي يكررها على مدى كل الفترة منذ خمسينات القرن الماضي ضد الأردن وضد قيادة المملكة الأردنية الهاشمية. وحقيقة إن ما يثير الاستغراب أنه بينما كان الحبر الذي كتب به بيان قمة الرياض الرباعية لا يزال لم يجف بعدُ، وبينما المفترض أن تتوقف الاستفزازات السابقة، بادرت صحف لبنانية محسوبة على «فسطاط الممانعة» وممولة من قبل حزب الله، إلى رفع مستوى استهدافها للمملكة العربية السعودية وفتح صفحاتها لأقلام مستأجرة لكيل شتائم بذيئة لقادة لا يستحقون إلا التقدير والاحترام، كانوا قد تساموا فوق الإساءات وبدأوا هذه المسيرة التضامنية الخيرة بذلك الموقف الشجاع الذي وقفوه في قمة الكويت.

إنه ما كان يجب أن يكون هناك حديث عن أن العلاقات مع إيران «ممتازة، وهي لم تتغير ولن تتغير»، بينما إيران تضع إصبعها في عيون العرب كلهم. وإنه ما كان يجب وصف ما تم في الرياض بأنه إدارة للخلافات بينما الأمة العربية كلها تعتقد أن نهاية هذه الخلافات التي سببها الرئيسي التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية قد بدأت، وأن قمة الدوحة ستطوي صفحة صفراء وستفتح صفة جديدة مشرقة تضع العرب في مستوى التحديات الوجودية التي تستهدفهم.

في رده على ما جاء به وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي في زيارته الخاطفة إلى الرياض، قال الأمير سعود الفيصل: «على الرغم من أننا نقدر التأييد الإيراني لقضايانا فإننا نرى أن هذا التأييد يجب أن يكون عبر بوابة الشرعية العربية، ومنسجما مع أهدافها ومواقفها، ويعبر عن نصرته لها وليس بديلا عنها».. وحقيقة إن هذا يجب أن يكون هو الأرضية السياسية للتعامل مع هذه الجارة القريبة، التي يجب أن يكون تعاملها مع «أشقائها» العرب وفقا لتعامل تركيا في هذا العهد الميمون معهم، أي على أساس حسن الجوار والمصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.