إيران واليهود.. والبراغماتية

TT

تحل هذا الشهر الاحتفالات بأول يوم في العام الفارسي الجديد، الذي يعرف باسم النيروز. وتتخذ تلك الاحتفالات غالبا صورا من المبالغة. ومن بين التقاليد المتبعة في ذلك اليوم القفز فوق شعلة من النار مع القول في لهجة خطابية: «خذي بشرتي الصفراء وأعطني وهجك الأحمر المزدهر».

ويمكن رؤية التقويم الخاص بإيران ولغتها ومذهبها الشيعي في الإسلام على أنها صور من المقاومة ضد العالمين العربي والإسلامي. لقد أصبح المذهب الشيعي وسيلة للاستقلال. واتخذ الدفاع عن اللغة الفارسية أمام اللغة العربية صورة ملحمة القرون الوسطى، شاهنامة التي ألفها الشاعر الفردوسي.

وقد ناقشت الخصائص المميزة للمجتمع الفارسي، في سلسلة من المقالات وكتحذير من الصورة المضللة لإيران على أنها مجرد مجتمع من الملالي الإرهابيين المصممين على امتلاك أسلحة نووية.

ومقارنة ببعض الدول العربية، تمتلك إيران رغبة قديمة في تكوين حكومة ممثلة عن الشعب، ويتضح ذلك في الثورة الدستورية التي وقعت عام 1906. وستكون الانتخابات الرئاسية التي من المقرر انعقادها في شهر يونيو (حزيران) المقبل منافسة حقيقية وفقا للمعايير المتدنية في المنطقة. إن هذه أقل دولة غير ديمقراطية في الشرق الأوسط خارج إسرائيل.

ويكمن الاستثناء الثاني الذي تتميز به إيران في أن ثورتها الإسلامية قامت منذ ثلاثة عقود. وقد وصلت إلى تلك المرحلة واجتازتها، لذا من المهم تعلم الدروس المستفادة منها.

ومن مصر إلى الجزائر إلى أفغانستان، تتطرف الحركات الإسلامية بأحلام إقامة سيادة دائمة؛ وتصبح الديمقراطية مصدر خوف لأنها قد تكون وسيلتهم في الوصول إلى السلطة. وعلى النقيض من ذلك، في إيران، الحياة عبارة عن ممارسة يومية للتسوية التي توفق بين الإسلام ومطالب الحياة العصرية. وتخرج إيران من حماسة التطرف في حكم مطلق لرجال الدين ونزاع تعددي.

وبينما يفترض برنارد لويس، في مقال نشر أخيرا في مجلة الشؤون الخارجية، صداما مهما للغاية بين «الحكم الديني الإسلامي والديمقراطية الليبرالية» والذي ستكون نتيجته حاسمة، لا أرى أي فائز في هذه المعركة. بل، بعيدا عن النموذج الأوتوقراطي الإقليمي، ستظهر مجموعة متنوعة من التسويات بين القوتين، كما حدث في إيران.

ولذلك، لدى أميركا مصلحة قوية في إقامة علاقات مع أكثر المجتمعات ديناميكية في المنطقة.

وأكبر ما يخشاه الأوتوقراطيون من الخليج إلى القاهرة هو إحراز تقدم في العلاقات الإيرانية الأميركية، وذلك على وجه التحديد لأنه سيزعزع استقرار جميع العلاقات الإقليمية الثابتة والحميمة، بما فيها علاقة واشنطن بإسرائيل.

وإحدى المميزات الأخرى لإيران هي وجود أكبر مجتمع يهودي في الشرق الأوسط المسلم في دولة تطلق أكثر الخطب اللاذعة ضد إسرائيل.

وكانت تذكرتي بهذا المجتمع القوي المكون من 25,000 فرد، في عالم الخلاف الأميركي الشرق أوسطي الذي تسوده المحرمات، قد أشعلت الغضب، في لوس أنجليس، حيث يعيش الكثير من يهود إيران المنفيين.

وفي تلبية لدعوة الحاخام ديفيد وولف من معبد سيناء، تقابلت معهم. وكانت مقابلة نارية؛ حيث لم يكن هناك أي اتفاق في الأفكار. لقد خلف النفي ومصادرة الممتلكات، وفي بعض الحالات الإعدام، مشاعر مريرة بين ضحايا الثورة من اليهود، كما تخلفت تلك المشاعر أيضا لدى ما يزيد على مليوني مسلم فروا من إيران منذ عام 1979. وروى لي أبراهام بيروخيم قصة مؤثرة عن هربه ومقتل عمه اليهودي بطريقة غير معقولة عام 1980 على يد النظام.

وفي وقت سابق، قال سام كيرمانيان، زعيم المجتمع اليهودي الإيراني، إنه تم استغلالي، وأن يهود إيران في حالة أسوأ بكثير مما يظهرون عليها، وأن تصويري لهم كان شريرا، حيث «يؤدي إلى جعل الناس يعتقدون أن أعداء إسرائيل ليسوا حقيقيين كما يظنون». ووصف الملالي بأنهم مستغلون بذكاء: «إنهم يعرفون قدراتهم وحدودهم».

أتفق مع هذه النقطة الأخيرة على الأقل. ومن المستحيل معرفة مدى القمع الذي يتعرض له يهود إيران، حيث أن المجتمع الإيراني غير حر. ولكن الأمر الأوضح: أن قضية الصقور ضد إيران تعتمد على رؤية لنظام رهيب، بدون الشعور بقصوره، معاد للسامية بصورة محمومة لدرجة أنه سيقبل بإبادة نووية حتمية إذا كانت من الممكن أن تدمر إسرائيل أولا.

ويعوق وجود هؤلاء اليهود هذه الرؤية. ويضعف أيضا قضية الصقور، لذلك اشتعل الغضب.

وأعتقد أن البراغماتية التي تعرف مدى عجزها تكمن في صميم بقاء الثورة. لقد أدت إلى التعاون مع إسرائيل في أيام الحرب الباردة؛ وأنهت حرب العراق؛ وتجنبت غزو أفغانستان عام 1998، عندما قتل دبلوماسيون إيرانيون هناك؛ وحققت تعاونا مع أميركا بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) في قضية أفغانستان؛ وتوضح حركة المد والجزر الليبرالي منذ عام 1979؛ وتجعل هناك أهمية لوجود اليهود بها.

وتعد البراغماتية وسيلة أخرى يمكن النظر من خلالها إلى برنامج إيران النووي. ربما تتوصل دولة، تواجه إسرائيل وباكستان المسلحتين نوويا وغزوا أميركيا للعراق وأفغانستان، وتلاحظ أن كوريا الشمالية لم تصب بأذى، إلى تفكير معقول بأن الحفاظ على الثورة يتطلب عزما نوويا.

والمطلوب في المقابل هو وجود براغماتية أميركية، تقنع الملالي بأن بقاءهم مضمون بالتوقف عن السعي لامتلاك القنبلة النووية.

وهذا بدوره يستدعي أن يقفز الرئيس أوباما فوق شعلة النار الخاصة به التي ترمز إلى الغضب كإحدي النقاط المحرمة في الشرق الأوسط، والتي تسببت لتوها في سلب الأهلية بصورة مخزية عن تشارلز فريمان لمنصب رفيع في الاستخبارات، باسم عام جديد من الالتزام والعقل.

*خدمة «نيويورك تايمز»