هل صحيح أن مكاسب المرأة التونسية في خطر؟

TT

تزامنا مع مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، عبرت بعض الأطراف المدنية في تونس عن تخوفات جادة، رأت أنها تهدد الوضعية القانونية للمرأة التونسية والمكاسب الحقوقية التي تحصلت عليها منذ تاريخ الاستقلال في 1956 إلى اليوم. وربطت هذه الأطراف، وعلى رأسها «جمعية النساء الديمقراطيات»، مخاوفها بما وصفته بمظاهر من السلوك التديني، طرأت على بعض فئات المجتمع التونسي. وبينت هذه الأطراف أن الخطر يكمن في اعتماد الدين كمرجعية فكرية وثقافية، معبرة عن استغرابها من موقف الدولة الصامت.

فهل صحيح أن المرأة التونسية تعيش مرحلة تهديد حقيقي، أم أن هذه الأطراف تبالغ في توصيفها؟.

في الحقيقة تبدو الإجابة على هذا السؤال تستدعي توضيح عدة نقاط جوهرية، أولها أن تراكم المدوّنة القانونية التي تحفظ حقوق المرأة، والانطلاق من مرحلة تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة إلى مرحلة أخرى أكثر نضجا وتطورا، تسعى إلى شراكة حقيقية، تشكل علامة مهمة على أن ملف المرأة في تونس خيار استراتيجي وحاسم، يستند إلى رؤية إصلاحية تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي مع الطاهر الحداد، وتواصلت مع إرادة سياسية قوية توفرت في الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، وفي الرئيس الحالي زين العابدين بن علي. ذلك أن الأول جعل من إصلاح وضعية المرأة جوهر مشروعه التحديثي، وأصدر مجلة الأحوال الشخصية ذات البنود الثورية.أما الثاني، وهو الرئيس الحالي، فإنه دفع بحقوق المرأة نحو الأمام، وخصوصا من خلال قانوني حق المرأة في منح جنسيتها لأطفالها إذا كان زوجها غير تونسي، وأيضا قانون جعل بيت الزوجية من حق الزوجة وأبنائها في صورة الطلاق.

والمراد من هذه الإشارة التأكيد على الموقف الحاسم والواضح الذي لم يخضع طيلة أكثر من نصف قرن على تاريخ الاستقلال إلى التردد، أو إلى التراجع.

النقطة الثانية، وهي تتمة للنقطة الأولى، تتمثل في توسيع حق المشاركة السياسية للمرأة في تونس، إذ إن الدولة تعتمد طريقة «المحاصصة» وتُمكن المرأة من 30 في المائة من مواقع القرار والمسؤولية، وهي سياسة تبدو ذكية لأنها تأخذ بيد المرأة للوصول إلى فضاء الفعل السياسي، حيث تُطبخ القرارات لتجعلها فاعلة ومشاركة، وبالتالي معنية بالمحافظة أكثر على مكتسباتها وامتيازاتها على الأصعدة كافة.

طبعا يعود استنكار بعض الأطراف إلى ما اعتبرته صمتا بالنسبة إلى الدولة، إزاء تنامي ظواهر رأت فيها خطرا على المرأة، إلى تغيير النخبة السياسية الحاكمة لأسلوبها، حيث اختارت المعالجة بمزيد دعم المدونة الحقوقية والقانونية للمرأة، حتى أنه لا يكاد تمر سنة، إلا وتتم المصادقة على قانون نوعي جديد يصب لصالح المرأة والأسرة التونسية، وأيضا من خلال المعالجة بالإعلام، وذلك بتكثيف عدد البرامج الدينية في القنوات الرسمية والخاصة والإذاعات، بل إنه تم فتح إذاعة دينية خاصة «إذاعة الزيتونة». وتسعى كل هذه المساحات من البث الإعلامي الديني إلى إظهار مرونة الدين الإسلامي ويسره وتقديره للعقل، وثراء مقاصده ومضامينه بقيم التسامح والحوار والدعوة إلى الاجتهاد وإعمال العقل .

ولا يخفى على أحد أن هذا الجهد الإعلامي هو بمثابة محاولة مواجهة القنوات الدينية المتطرفة في أطروحاتها، والمنغلقة في الفكر الذي تُقدمه.

من هذا المنطلق، يمكن القول إن تعزيز رصيد المرأة الحقوقي والرهان على الإعلام للوقاية مما قد تتسبب فيه بعض المحطات، يعدان طريقين أكثر قدرة على التأثير الاجتماعي من أية أساليب أخرى، خاصة إذا ما وضعنا ما يجري في العالم العربي والإسلامي والعالمي في سياق الصراع السياسي الذي بات يعتمد آليات ثقافية ودينية.

من جهة أخرى، من الصعب القول إن الخطر يكمن في اعتماد الدين كمرجعية فكرية وثقافية، والحال أنه لا توجد دراسات وأبحاث «سوسيو – دينية»، تُؤكد أو تنفي، خصوصا أن الدستور التونسي يقطع الطريق أمام كل المسالك التي يمكن أن يتسلل منها حاملو الخطر.

[email protected]