الكوندومنيوم اللبناني

TT

لم يعد خافيا على متتبعي الحملة الانتخابية في لبنان أن مناخ المصالحات العربية بدأ ينسحب ببطء عليها.. ولكن بحذر يبدو أنه يعود إلى انتظار كل الفرقاء السياسيين اتضاح الصورة الكاملة لما ستفرزه دبلوماسية المصالحات العربية من إعادة تموضع في توازنات القوى الإقليمية المؤثرة على الساحة اللبنانية.

من المبكر بعض الشيء التكهن بما ستكون عليه الخريطة السياسية للشرق الأوسط في مرحلة ما بعد القمة العربية المزمع عقدها في الدوحة بنهاية الشهر الحالي، علما بأن الألوان الرئيسية لهذه الخريطة تتأثر بمواقف دولية لا تزال قيد التبلور.

إلا أن الثابت حتى الآن في الخريطة الشرق أوسطية أن دبلوماسية المصالحة العربية تمر بإعادة سورية إلى «المدى العربي». وبصرف النظر عما تتطلبه هذه العودة من تصرف سوري على الساحة الإقليمية، سوف تستتبع هذه العودة حفظ «حصة» سورية من النفوذ المحلي في لبنان.

ولكن السؤال يبقى: هل ستواصل هذه العودة لعب دور المظلة الواقية لنمو النفوذ الإيراني في لبنان ـ إن لم يكن تكريسه ـ كأحد ثوابت «القرار» اللبناني؟

من الطبيعي أن يرتهن الجواب على هذا السؤال بمدى التزام إيران بدعوة السعودية لها أن تمارس دعمها للقضايا العربية «عبر بوابة الشرعية العربية».. ما يعني، عمليا، التخلي عن شعار «تصدير» الثورة الإسلامية إلى دول المنطقة.

لذلك، وبانتظار أن تتضح النوايا الإيرانية على صعيد علاقاتها المستقبلية مع «الشرعية العربية»، وتحديدا الشرعية اللبنانية، لا يسمح مناخ المصالحة العربية للبنانيين بأن يأملوا بأكثر من «استحقاقين»: أولهما، أن تنقضي انتخاباتهم البرلمانية بسلام وفي موعدها المحدد (7يونيو المقبل)، وثانيهما، أن يكون ثمن تمرير هذا الاستحقاق عودة لبنان إلى شكل من أشكال «الكوندومنيوم» السياسي غير المعلن بين من يمكن تسميتهم، مجازا، «بالعرب العرباء» و«العرب المستعربة» من اللبنانيين.

باختصار، لا تبدو الثنائية السياسية القائمة حاليا في لبنان مرشحة لزوال قريب.

ومعظم التقديرات المتجردة ـ إن جاز استعمال هذه الصفة في لبنان ـ تتحدث عن برلمان يتعادل فيه نواب «العرب العرباء» ونواب«العرب المستعربة».. مع احتمال رجحان كفة على أخرى بعدد ضئيل من المقاعد.

من حيث المبدأ يفترض أن تشكل هذه الثنائية البرلمانية قاعدة صحية للعبة الديمقراطية في لبنان.. لو لم تكن تضمر ثنائية موازية في الولاءات القومية. فلولا هذا «الرابط» الخارجي لبعض قوى الثنائية اللبنانية لجاز اعتبارها ظاهرة طبيعية من ظواهر الاستقلال الثاني للبنان، تماما كما كانت ثنائية الكتلة الدستورية (حزب بشارة الخوري) والكتلة الوطنية (حزب اميل إده) ظاهرة مطلع عهد الاستقلال الأول.

لذلك قد يكون أقصى ما يمكن أن يأمله اللبنانيون من استمرارية «الأمر الواقع» أن لا يخرج عن اللعبة البرلمانية التقليدية التي درجوا على ممارستها في إطار نظامهم البرلماني المحتار بين الديمقراطية العددية والتوافقية الطائفية.

وإذا جاز الاستطراد في هذا السياق، لصح التوقع بأن تكون الانتخابات اللبنانية المقبلة مجرد عملية تجميلية «للوجه» الثنائي اللبناني، تزيل منه بعض النتوءات النافرة دون أن تمس الشكل ـ كونها ستعيد إلى مقاعد البرلمان الوجوه التقليدية والعائلية والمذهبية التي جعلت برلمان لبنان ينافس المال والبنين كزينة الحياة الدنيا لبعض اللبنانيين.

ولكن مشكلة الثنائية البرلمانية في لبنان أنها بقدر ما تضمن «حصص» القوى الإقليمية الفاعلة على الساحة اللبنانية، بقدر ما تشكل عامل تفجر للوضع السياسي في سياق تنافس طرفي المعادلة الثنائية على تعزيز موقعهما داخل المعادلة نفسها وتنافس القوى الخارجية على النفوذ في لبنان.

وفي ظل الأجواء المشحونة في لبنان، واحتمال تصادم المصالح المفترضة للراعي الخارجي لبعض قوى المعادلة الثنائية مع مصالح اللبنانيين.. من يضمن ألا يخرج التنافس السياسي عن آلية اللعبة الديمقراطية ويعود إلى الشارع ليفرز «7 أيار» جديدة؟.