الحصان الأسود ينزل إلى مضمار السباق

TT

على مدى أكثر من 20 عاما كان مير حسين موسوي خامنئي يوصف بأنه «الحصان الأسود» في الانتخابات الرئاسية الإيرانية المتعاقبة. ففي عام 1989، كان من المتوقع أن يدخل السباق لمنع علي أكبر هاشمي رافسنجاني من الوصول إلى الرئاسة، لكنه لم يفعل.

بعد ذلك بثماني سنوات، كانت هناك بعض الشائعات التي تحدثت حول ترشحه للرئاسة بين أولئك الذين يتوقع أن يمثلوا الجناح الراديكالي للمؤسسة، لكنه عاد ليقرر البقاء مرة أخرى إلى جانب الحلبة مقدما الدعم التكتيكي لمحمد خاتمي، ذلك الذي نجح في الفوز بفترتين رئاسيتين متتاليتين.

وخلال العام الماضي بدأ اسم موسوي يتردد كمتحد محتمل للرئيس محمود أحمدي نجاد، غير أن القليلين يعتقدون أنه سينزل إلى حلبة السباق بالفعل.

وخلال هذا الشهر فاجأ موسوي الجميع عندما أقدم على ذلك، غير أنه نزل إلى السباق هذه المرة حاملا لواء الإصلاح، حتى أن خاتمي الذي أعلن عن ترشحه للرئاسة تنحى دعما لموسوي، كما أن هناك أقاويل أخرى عن احتمالية انسحاب مهدي كروبي وهو ملا آخر لصالح موسوي.

لذا فإن الساحة معدة لخصوم أحمدي نجاد من الجناح المعتدل من النظام لدخول الانتخابات بمرشح واحد. ويتساءل البعض من هو موسوي أو مير حسين كما يفضل أصدقاؤه أن يطلقوا عليه؟

ولد مير حسين لعائلة أذربيجانية منذ 68 عاما، ونشأ في طهران حيث حصل على درجة الماجستير في التصميم الداخلي ثم بعد ذلك على لقب مهندس (يعلق الخمينيون أهمية كبرى على الألقاب، فأحمدي نجاد غالبا ما لا ينسى أنه حاصل على درجة الدكتوراه).

ترجع أصول عائلة حسين إلى قرية خامنئي التي خرجت عائلة آية الله على الحسيني خامنئي المرشد الأعلى الحالي، وتزعم عائلة مير حسين أن نسبها يعود إلى موسى بن جعفر الإمام السابع عند الشيعة «الاثنا عشرية»، وبناء على هذه الزعم دأب موسوي على استخدام لقب «سيد» للتأكيد على أصوله العربية العريقة، وأصبح ذلك الرسام والخطاط رئيسا للأكاديمية الإسلامية للفنون منذ عام 1990.

بعد الانتساب لفترة بسيطة إلى الماركسية في الستينيات، انخرط موسوي ضمن ألف من أبناء الطبقة الوسطى الإيرانية الذين آمنوا بأن الإسلام وحده قادر على توحيد الأفراد في محاولة للقضاء على النظام الملكي القديم. وقد استغل الملالي الذين كانوا يمسكون بأطراف الخيط تلك التحالفات من الطبقة المتوسطة لإنقاذ إيران الحضرية وأن تغيير النظام لن يعني حكما كهنوتيا.

كان ارتقاء موسوي في النظام الجديد سريعا جدا، ففي عام 1980 أصبح وزيرا للخارجية، حيث استغل هذا المنصب ليسرع من حركة النظام الجديد ضد الغرب. وفي عام 1981 شغل منصب رئيس الوزراء، وظل يشغله لمدة ثماني سنوات.

وقد تزامنت فترة رئاسة موسوي لمجلس الوزراء مع الحرب العراقية الإيرانية حيث تبنى سياسة توزيع حصص الطعام والتقشف التي أصابت الفقراء بشدة، وقد اتهمه منتقدوه بأنه يتبنى عقيدة «جوتشي» أو الاعتماد على النفس التي تطبقها كوريا الشمالية، لكنه ألقى باللائمة عليهم للتدهور الدراماتيكي في مستويات المعيشة.

وخلال رئاسته لمجلس الوزراء، انخفضت قيمة الريال الإيراني مقارنة بالدولار الأميركي ليصل من 70 ريالا مقابل الدولار إلى 480 ريالا.

وقد أغضبت سياسات موسوي التي جاءت على نسق السياسات الكورية الشمالية الكثير من الملالي ومن بينهم رافسنجاني الذي فضل نظام السوق الحرة التي تمكنهم من الحصول على الأموال.

خلال رئاسته الوزراء اشترك موسوي في حرب سياسية مع رافسنجاني الذي أصبح فيما بعد رئيسا للبرلمان الإسلامي وكبير مستشاري الخميني. وقد دفع الجدال مع رافسنجاني والجناح اليميني من الملالي موسوي إلى التقرب من المجموعات الماركسية التي كان من بينها حزب تودي الشيوعي، وحافظ في ذات الوقت على علاقته بآية الله العظمى حسين على منتظري الذي عين بعد ذلك كوريث سياسي للخميني. وصلت الخلافات بين موسوي ورافسنجاني إلى قمة ذروتها عندما قام الاثنان بإجراء اتصالات سرية مع واشنطن أملا في الدعم الأميركي لعطاءاتهما السياسية من أجل الوصول إلى السلطة.

وبحسب تقارير التحقيقات التي قام بها الكونغرس الأميركي، فقد استغل رافسنجاني قورباني علي دوري نجف أبادي الملا الصغير حينها كوسيط أساسي مع الأميركيين، ثم قام بعد ذلك رافسنجاني بإرسال ابنه مهدي إلى الولايات المتحدة، حيث زار البيت الأبيض ووعد بعودة العلاقات الإيرانية الأميركية إلى ما كانت عليه قبل الثورة الإيرانية.

أما موسوي فقد اتصل بالأميركيين عبر أحد مساعديه، عباس كنغارلو الذي استخدم مانوتشير قوربانيفار رجل الأعمال الإيراني الذي يعمل في باريس وجورج كيف خبير الشؤون الإيرانية في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية كقنوات اتصال مع واشنطن.

وفي وقت ما من عام 1985 قررت إدارة ريغان أن جناح رافسنجاني هو الأقوى ومن ثم قررت إغلاق قناة الاتصال مع موسوي، الأمر الذي دفع موسوي إلى كشف تلك العملية عبر مجلة لبنانية تمولها حكومته.

كانت النتيجة فضيحة «إيران غيت» وإغلاق كل القنوات بين طهران وواشنطن، وقد أغضبت تلك الحادثة رافسنجاني، وكانت أولى الخطوات التي قام بها في الرد على ذلك نجاحه في إقصاء منتظري «من الوراثة الواضحة» للخميني بعد 18 شهرا.

لم تفلح جهود رافسنجاني بعد ذلك في إقصاء موسوي لأن الأخير استمر في الاحتفاظ بثقة الخميني به، غير أنه بوفاة الخميني قام رافسنجاني بتعديل دستوري ألغى فيه منصب رئيس الوزراء تاركا موسوي بلا منصب.

وفي واحدة من المفارقات التاريخية نجد رافسنجاني الآن يدعم موسوي كأخف الضررين مقارنة بأحمدي نجاد.

وبعد صمت دام ما يقرب من 20 عاما، لا يعلم أحد الآن سياسات موسوي. هل ما زال يؤيد سياسات كوريا الشمالية التي تبناها عندما كان رئيسا للوزراء؟ أم أنه نضج وتبنى وجهات نظر معتدلة؟

لا أحد يعلم، وربما هو ذاته لا يعلم ذلك.

فتصريحاته القليلة التي صدرت عنه منذ إعلانه عن ترشيح نفسه للرئاسة تتسم بالعموميات والغموض والشعارات التي يمكن أن تفسر بأكثر من شكل. ولم يقل شيئا عن السياسة الخارجية، لكن الحقيقة أنه لم يكرر مبادئ النظام من معاداة الولايات المتحدة التي قد تفسر على أنها إشارة إلى رفضه سياسات نجاد التي تدعو إلى المواجهة. وعلى الرغم من وصف أصدقائه له بأنه إصلاحي إلا أنه لم يقدم أي إشارة إلى ما ينوي إصلاحه.

وقد أشار البعض إلى أنه ربما يحاول استعادة سلطة الدولة على الثورة عبر إزالة أو على الأقل التخفيف من قوة المرشد الأعلى، بيد أنه امتدح مبادئ الوصاية العليا في سياق أسلوب التقية ما يجعل الأمر أشبه بالمستحيل لمعرفة موقفه.

يجب على أحمدي نجاد أن يسعد بوجود مير حسين، كنظير له في الانتخابات، فغالبية الإيرانيين لا يتذكرون موسوي، فما يقرب من 25 مليون إيراني لم يولدوا عندما كان رئيسا للوزراء. وتقف مواقف موسوي المبهمة في مقابل تصريحات نجاد العلنية التي يعتبرها أنصاره أنها دليل على صدقه.

ولا يزال الوقت مبكرا جدا على رفض عطاء موسوي للسلطة، فمن الممكن أن يحدث الكثير قبل الثاني عشر من يونيو (حزيران) المقبل.

غير أنه حتى هذه اللحظة لا تزال فرص موسوي في إزاحة أحمدي نجاد ضعيفة للغاية.