ما من صفقات كبرى

TT

يجب على المسؤولين الروس أن يعبروا عن سعادتهم بما يشهدونه من إدارة الرئيس أوباما؛ فقد تبادل الرئيس التصريحات العامة والرسائل الشخصية مع الرئيس ميدفيديف، أما بايدن، نائب الرئيس الأميركي، فقد قال الشهر الماضي «يجب علينا أن نعيد إصلاح مسار العلاقات الأميركية الروسية». وفي لقائها مع وزير الخارجية الروسي يتوقع أن تقوم وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بمحاولة التخفيف من التوتر في العلاقات، لكن في الوقت الذي ترغب فيه إدارة أوباما بتحسين علاقاتها مع موسكو يجب على فريق أوباما أن يكبح جماح تلك التوقعات وأن يتجنب «الصفقة الكبرى» التي كانت مطلبا للكثيرين في الولايات المتحدة وأوروبا.

الصفقة بسيطة للغاية، ففي مقابل تعاون روسيا مع الولايات المتحدة في احتواء التهديد النووي الإيراني والقضايا الاستراتيجية الأخرى تقوم الولايات المتحدة، بدرجات متفاوتة، بمراجعة علاقاتها مع الدول المجاورة لروسيا ووقف خطط الدفاع الصاروخية وغض الطرف عن التراجع في حقوق الإنسان في روسيا.

لم يكن أحد ليعتقد إمكانية سكوت الولايات المتحدة عن التجاوزات في العالم قبل الاقتراح المخيب للآمال الذي طالعتنا به وزيرة الخارجية الأميركية كلينتون الشهر الماضي في الصين، عندما طالبت بعدم «إقحام» حقوق الإنسان مع الأمور الأكثر أهمية. ولو أن الروس أذكياء لسعوا إلى الحصول على ضمانات مماثلة. وقد أثيرت تساؤلات متعددة نتيجة لهذه التبادلية: ما هو السعر الذي سيضمن التعاون الروسي بشأن إيران؟ من الذي سيقوم بإبلاغ أوكرانيا وجورجيا بأننا عدنا إلى سياسة «روسيا أولا»؟ هل يعتقد أحد أن السكوت بشأن ما يقوم به الكرملين ضد المعارضين الداخليين سيجعل روسيا متعاونة؟ وماذا إذا لم يكن كل ذلك كافيا؟ من المتوقع أن تزيد روسيا من فاتورة أتعابها من أجل هذا التعاون، حيث ستعمل على ابتزاز الولايات المتحدة.

كانت سياسة الرئيس بوش تجاه روسيا تتلخص في محاولة العمل مع موسكو في القضايا التي يمكن أن تشهد تعاونا مشتركا والتراجع عند الضرورة، خاصة بعد غزو روسيا لجورجيا، وقد كانت سياستنا تجاه روسيا بعيدة عن الكمال خلال السنوات الثماني الماضية لكن المشكلات الرئيسة كانت تكمن في روسيا وسيكون من غير المحتمل تطوير العلاقات بين البلدين ما لم تحل هذه المشكلات.

ولا تأبه روسيا بما يحيط بها. فقد استطاعت روسيا الحفاظ على «نطاق التأثير عبر حدودها بغض النظر عن رغبة الدول المجاورة لها في الاتجاه ناحية الغرب». وشعرت روسيا بالتهديد جراء علاقات أوكرانيا وجورجيا بالناتو، بالرغم من أن توسع الناتو باتجاه الشرق كان مصدر استقرار خلال العقد الماضي، كما ترى روسيا خطوط الأنابيب القادمة من آسيا الوسطى والقوقاز خطرا يهدد سطوتها على مصادر الطاقة الإقليمية، كما دعمت الحركات الانفصالية في كل من جورجيا ومالدوفا حتى أنها أعلنت عن رغبتها في إقامة قواعد عسكرية في الأقاليم الانفصالية مثل أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية اللتين اعترفت بهما. وقد أثار دور روسيا في قرار قيرغيزستان بإغلاق القاعدة الجوية الرئيسية الشهر الماضي التساؤلات حول كيفية التعاون الذي يمكن أن تقدمه روسيا بشأن أفغانستان. يجب أن يتغير التفكير الروسي إذا ما تلاشت المصادر الرئيسية بشأن التنافر بين روسيا والغرب وروسيا وجيرانها.

بعد فوز أوباما بالانتخابات، هدد ميدفيدف بتركيب صواريخ قصيرة المدى بالقرب من بولندا إذا ما استمرت الولايات المتحدة في خطة الدفاع الصاروخي التي تقدمت بها إدارة الرئيس بوش لمواجهة التهديدات النووية الإيرانية، ولا يمكن لروسيا أن تقبل تعاون بولندا وجمهورية التشيك كدول مستقلة - وهي دول أقل عضوية في الناتو والاتحاد الأوروبي - مع الولايات المتحدة بشأن النظام الصاروخي الموجه ضد إيران. كما أنها لم تتقبل أن الدولتين لا تمثلان تهديدا للقدرات النووية الروسية. يجب على الولايات المتحدة وروسيا العمل سويا لمواجهة إيران ولم يكن في مصلحة روسيا أن تكون إيران قوة نووية. وبالرغم من الموافقة على قرار الأمم المتحدة بشأن إيران، قامت روسيا ببيع طهران أنظمة مضادة للصواريخ وهددت ببيع نظام الملالي أسلحة أكثر تطورا، وفي فبراير (شباط) رفض نائب وزير خارجية روسيا فكرة «تشدد» بلاده تجاه إيران، وخلال هذا الأسبوع رفض ميدفيديف أي اتفاق دفاع صاروخي بشأن إيران.

ويبدو أن سياسة القمع هي اللغة الوحيدة التي يعرفها القادة الروس.

سوف ينظر في موسكو إلى أي «صفقة كبرى» تعقدها الولايات المتحدة مع روسيا على أنها إشارة لليأس الأميركي والتحول الكبير في سياسة الدفاع الصاروخي سينظر إليها من قبل إيران على أنها إشارة إلى الضعف، وسوف يقوض الحكومات الصديقة في كل من وارسو وبراغ. نعم يجب على الولايات المتحدة أن تتعاون مع روسيا في بعض القضايا مثل إيران وكوريا الشمالية ومكافحة الإرهاب والحد من السلاح وأفغانستان، لكن على كلا الجانبين أن يظهرا رغبة في التعاون، وفوق كل ذلك يجب ألا نفاوض على علاقاتنا بجيران روسيا أو بقيمنا.

* مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل.. مساعد نائب وزير الخارجية المسؤول عن ملفات روسيا وبلاروسيا ومالدوفا

في إدارة جورج بوش

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»