كان هناك غيرهما

TT

انطوت صفحات كثيرة من الأدب السوداني في صفحات النسيان لسببين: الأول، أن الانقلابات العسكرية أدت إلى استبعاد الحياة الثقافية وتحقيرها والخوف منها والتوجس من أنوارها. والثاني، أن اسمين كبيرين قد طغيا، على كل من عداهما، هما محمد الفيتوري في الشعر، والطيب صالح في الرواية.

لذلك ضاعت مرحلة طويلة من العطاء السوداني، ما بين أوائل القرن الماضي والانقلاب العسكري الأول، كانت خلالها الحركة الأدبية والفكرية في البلاد ملازمة ومشابهة ـ ومتأثرة إلى حد بعيد ـ بالحركة الفكرية والثقافية في مصر.

وعرفت المرحلة مجلات أدبية وفكرية مشابهة أيضاً لـ «الرسالة»، و«الثقافة»، و«الهلال»، و«المقتطف»، ومنها مجلة «النهضة»، و«أم درمان»، و«الفجر». وكما في مصر، كان الطابع السياسي والوطني هو الغالب على النتاج الأدبي. والظاهرة التي تستحق الإشارة أن المحاماة كانت صلة الوصل بين السياسة والأدب في البلدين. وكان عدد كبير من أدباء السودان بين الحربين من المحامين وحملة الإجازات في الاقتصاد السياسي، ومنهم محمد أحمد محجوب، ومحمد أحمد خير، والدريدري أحمد عثمان، وسعد الدين فوزي. وأما في مصر، فكان القانون صنو الأدب أو منيعه. وإليك هذه التشكيلة: محمد حسنين هيكل، حامل دكتوراه من باريس في الحقوق، ولطفي السيد، وكيل النيابة العامة في القاهرة. ومن بين المحامين الكتاب كان محمود عزمي، وعبد الرحمن الرافعي، وعبد القادر حمزة، ومحمد لطفي جمعة، ومحمد عبد الله عنان، وتوفيق الحكيم، والناقد المسرحي محمد مندور. وأنا من الذين يعتقدون أن محمد عبد الله عنان سبق عصره بنصف قرن في كيفية كتابة الدراسة وتكثيفها وملئها بالوقائع، فيما كان «مجايلوه» لا يزالون غارقين في «المنفلوطيات» وتكرار الفكرة نفسها عشر مرات في تلاحق رتيب. وقد أثر هؤلاء الكتَّاب وسواهم في نتاج شباب السودان ومثقفيه، كما يقول الدكتور عبد الله الطيب في كتابه عن الاتجاهات النثرية في السودان. وقد كنت أظن أول ما درستهم، أنهم لم يكونوا إلا محاكين لما قرأوه في الصحافة المصرية ومؤلفات كتابها المحدثين.

وبعد الحرب العالمية الثانية، ظهر أثر آخر في النتاج السوداني، إذ كثر عدد الدارسين للآداب الإنكليزية، وتكاثر عدد المولعين بالأدب الروسي عن طريق الترجمة، وخصوصاً مكسيم غوركي، الذي قلده كثيرون في الكتابة عن الريف والفقر. وإذا كان السودانيون قد تأثروا ـ مثل سواهم ـ فإنهم لطالما تركوا أثرا في الغير أيضا، وخصوصاً الفيتوري، وما كان له من مقلدين.

راجع «السودان والحركة الأدبية» حليم اليازجي.