مائة عام من الحب !

TT

سئل توفيق الحكيم في شيخوخته: هل يمكن للشخص أن يحب بعد الثمانين؟! فقال: «يمكن للإنسان أن يحب بعد المائة لو طال به العمر». تذكرت ما قاله الحكيم، وأنا أقرأ خبرا مثيرا، وطريفا، ورائعا عن عقد قران مسن سعودي (97 عاما) بفتاة أحلامه التي تبلغ من العمر 90 عاما، بعد 80 سنة من رفض أهلها تزويجه. وهذا الرجل الذي يقترب من المئوية العمرية يعد الأكثر صمودا في تاريخ العشق، فلم يسبقه من احتفظ بجذوة عشقه مشتعلة على مدى ثمانين عاما سواه، فلقد فرقت بينه وبين فتاة أحلامه الحظوظ العواثر، ومضى كل في طريق، حتى ظهرت في موانئه من جديد، تحمل عبء تسعة عقود، لتجده كالشاطئ في انتظارها فاردا ذراعيه.

وقصة الحب هذه التي توجت بالزواج تقابلها قصة حزينة تداولتها الصحافة قبل خمس سنوات عن رجل تقدم لخطبة فتاة، فرفضه والدها، وزوجها من آخر، ولم يستطع أن يتحمل الصدمة فترك الديار، وهام على وجهه في البراري والقفار لأكثر من عشرين عاما، حتى عثر رجال الأمن على جثته بعيدا عن ديار أهله، في المنطقة الواقعة بين نجران وقرية السليل، ولم تستطع حبيبته أن تقاوم الفراق، فوقعت في مرض نفسي، وماتت بعد ستة أشهر من الزواج.

وقصص الحب هذه تؤكد أن قوافل العشاق في هذه البلاد لم تزل تتقاطر منذ عهد كثير عزة، وعنترة عبلة، وجميل بثينة، فالصحاري خصبة بالعشق، ثرية بالعشاق.

وفي بحث لطيف للدكتور عبد الناصر كعدان بعنوان «مرض العشق وعلاجه في التراث الطبي العربي والإسلامي» يعرف العشق بأنه شكل مفرط من أشكال المحبة، ويورد آراء مجموعة من الحكماء حول مرض العشق، إذ يصف ابن سيناء العشق بأنه «مرض وسواسي شبيه بالمالينخوليا»، ويحدد سبط المارديني أعراض مرض العشق فيقول: «وعلامته غؤر العينين، وجفافهما إلا عند البكاء، وغلظ الجفن من كثرة السهر والأبخرة المتصاعدة إليه»، ويجمع الحكماء العرب والمسلمون القدامى بأن أفضل وأنجع علاج لهذا المرض هو الجمع بين العاشق والمعشوق بالزواج، أما إذا لم يتحقق ذلك فعلى المريض مجالسة أهل الفضل، والاشتغال بالعلوم العقلية، وأن يروح عنه المحيطون به بأخبار الزهاد، والعباد، والصالحين، وملء الفراغ بالعمل.

وليس صدفة أن ينطلق صوت فناننا الراحل طلال مداح ليختم هذه السطور مرددا: «الله يكون في عون كل العاشقين».

[email protected]