لغة أوباما الناعمة تجاه الإيرانيين

TT

يواصل الرئيس الأميركي باراك أوباما، أسلوبه في إحراج خصومه بمخاطبتهم مباشرة، ومد يده لمصافحتهم. هذا ما فعله أول البارحة في عيد النيروز الإيراني، عندما ظهر على الشعب الإيراني فهنأهم بعيد النيروز، في خطاب متلفز ومترجم إلى الفارسية. كان خطابه مليئا بعبارات التودد والتقرب من الإنسان الإيراني، في صيغة معاكسة للخطاب الأميركي التقليدي المليء بعبارات التهديد. الخطاب الأوبامي الناعم فيه تهديد بلغة ناعمة أيضا. وهنا فارق بين إدارة رئيسين، فالفارق بين أوباما وسلفه الرئيس جورج بوش، يكمن في اللغة، أما النتيجة فتبدو واحدة، مواجهة إيران لوقف التسلح بالقبل أو بالمدافع.

السر يكمن في اللغة. أوباما رجل يحرص على أن تكون صورته صورة الرئيس المسؤول، الذي يتحدث سلاما ويريد سلاما ما أمكن السلام، مع الإصرار على مصالح بلاده العليا. أما بوش فقد كان يريد أن يعرفه العالم بالرئيس القوي، الذي لا يتوانى عن حماية مصالح بلاده مهما كلف الثمن. بين أوباما المسؤول وبوش القوي، تبقى إيران رقما ثابتا يمثل التحدي الأول، بما يعنيه ذلك من حرب أو سلم في زمن الرئاسة الحالية.

وأتصور أنه قد أصبح لدى الرئيس الأميركي باراك أوباما، فكرة كافية عن طبيعة الإشكال مع إيران، وإيران أكثر من مجرد إشكال، هي أزمة خطيرة تكبر مع الوقت. وفي نظري أن نعومة أوباما هي أخطر من شراسة بوش. فالمتتبع يرى كيف يبنى أوباما موقفا متطورا يساعده مستقبلا على اتخاذ أي قرار له شعبية داخل بلاده، الولايات المتحدة، وله شعبية أيضا في أنحاء العالم.

أوباما استمر يرسل منذ اليوم الأول رسائل واضحة بأنه يريد سلاما مع الإيرانيين، وأن حكومته مستعدة للتعاون مع طهران، وأنه لا يحمل أجندة عدوانية ضد النظام الحاكم هناك. وفتح الباب أمام كبار مسؤوليه ليرددوا الرسالة ذاتها، في مناسبات مختلفة، إلى درجة الحديث عن تعاون شامل، بلغت درجة الحديث عن تعاون عسكري في أفغانستان واستخدام الأراضي الإيرانية لتنفيذ التعاون.

برسائله الإيجابية والذكية جرد الإيرانيين من كل مبررات الرفض الدائمة للتعاون، وجرد أيضا خصومه السياسيين من أي حجة لمنعه، لو قرر غدا مواجهة إيران سياسيا أو حتى عسكريا.

لكن يجب أن اعترف أننا حتى الآن نحاول أن نقرأ عقل أوباما أكثر مما نسعى لفهم الإيرانيين. فقد كان بوش واضحا، والإيرانيون غامضون، أما اليوم فالعكس. سياسة إيران صارت مكشوفة منذ أن ثبت تخصيبها لليورانيوم، ونجاحها في إطلاق الصواريخ، ومع تزايد انتشار نشاطها الجغرافي في منطقة الشرق الأوسط. أفعال إيران أوضح من أقوالها، بخلاف أوباما الذي لا ندري بشكل دقيق في أي اتجاه يسير، سوى تأكيده على رغبته في التعاون والتصالح، وفي نفس الوقت حماية مصالح بلاده. أرى أن أوباما يبني موقفا داخل أميركا وخارجها ضد إيران وليس معها، بحيث يستطيع غدا أن يقول: إنه استنفد كل السبل والإغراءات، ولم يعد هناك بد من مواجهة إيران ولو بالقوة إن استوجب الأمر، لإيقاف مشروعها العسكري الهجومي.

[email protected]