من هو روزفلت المقصود؟

TT

ثار الكثير من التكهنات حول ما إذا كان بمقدور باراك أوباما الظهور كروزفلت جديد، لكنني أتساءل حول ما إذا كنا نتحدث عن روزفلت الصحيح. في إطار محاولته التغلب على الأزمة المالية من الممكن أن يتبع أوباما قدرا أقل من منهج فرانكلين روزفلت، الذي يميل إلى الضخامة الاقتصادية، وقدرا أكبر قليلا من حماسة تيودور روزفلت تجاه محاربة الاحتكار.

ومن الأمور الجديرة بالملاحظة في هذا الصدد القرار الذي اتخذه أوباما أخيرا بتقديم إعانة مالية تكميلية بقيمة 30 مليار دولار إلى شركة التأمين العملاقة «أميركان إنترناشونال غروب». في الواقع إن الإبقاء على هذه الشركة العملاقة المفلسة على أجهزة التنفس الصناعي يفتقر إلى المنطق، وإنما بدلا من ذلك كان يتعين تفكيك الشركة مع أول ظهور للأزمة التي ألمت بها العام الماضي، عندما كان من الممكن بيع القطاعات التي ما زالت تعمل جيدا بها بأسعار معقولة. ومن ناحيتها أعلنت وزارة الخزانة أنه بعد تقديم دفعة الإنقاذ المالي الأخيرة ينبغي أن تنكمش «أميركان إنترناشونال غروب»، وتعيد صياغة نفسها في كيانات أصغر. وأعتقد أن القيام بهذه الخطوة في وقت متأخر أفضل من عدم تنفيذها على الإطلاق.

وحتى شركة «ايه اي جي» ذاتها تدرك أنها مفرطة الضخامة، فعلى سبيل المثال صرح إدوارد ليدي، الرئيس التنفيذي الجديد للشركة الذي تولى منصبه في الخريف الماضي في محاولة لرفع الحطام، قائلا: «يتسم هيكل (أميركان إنترناشونال غروب) المختلط بدرجة بالغة من التعقيد». والمأساة أن ذلك كان واضحا منذ عدة أعوام ولم يفعل أحد شيئا حياله، ويتذكر مسؤول سابق في جهات التنظيم أن صفقات «ايه اي جي» كانت متشابكة للغاية وغير مفهومة، لدرجة أن دفاترها لم تكن تقفل في موعدها، ولكن لم يفكر أحد في الدعوة إلى وقف ما يحدث.

واستمر مسؤولو وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي في العمل على الافتراض بأنه في عالم المال كلما زاد حجم العمليات أصبح العمل أفضل وأكثر أمنا. وكانت الحجة التي تقال لصالح هذه المؤسسات المالية الكبرى المتنوعة هي أنها بجمع أنواع مختلفة من المخاطر ستزيد من الاستقرار الإجمالي للأوراق المالية، وقد ساعد هذا المنطق على إقامة المجموعة الضخمة المسماة «سيتي غروب»، وكان ذلك مثل الحجة التي تبرر توريق الرهون العقارية عالية المخاطر، فلتضع قدرا منها معا وسيكون خطر العجز عن السداد أقل. ولكن هذا لم يحقق نجاحا كبيرا.

ولكن استمرت السلطات تتصرف وكأن الحجم الأكبر سيحقق استقرارا أكبر، وكان هذا هو المنطق الأساسي الذي دفع مصرفا قويا في أميركا إلى الحصول على شركة «ميريل لينش» المتعثرة في الخريف الماضي. وكان الحل الأفضل لتعثر «ميريل» هو بالتخلص من الأصول السامة أولا ثم تشجيع التفكيك المنظم لشركة السمسرة، وقد كانت كبيرة للغاية بالفعل.

ونموذج حالة يصلح لأن تدرسه جهات التنظيم اليوم هو رد فعل الرئيس تيودور روزفلت تجاه الخدع المالية التي حدثت عام 1902، عندما حاول أقطاب السكة الحديد الجمع بين الخطوط الشمالية العظمى وخطوط المحيط الهادي الشمالية، في شركة قابضة كبرى تسمى «الأوراق المالية الشمالية». وأراد روزفلت أن يرفع دعوى قضائية لمكافحة الاحتكار من أجل وقف الصفقة، وهدد رجال الأعمال بأن الدعوى القضائية ستسبب الذعر في «وول ستريت»، وهو ما أجاب عليه النائب العام في عهد تيودور روزفلت، فيلاندر نوكس، في رده الشهير: «لا يوجد شريط للأسهم في وزارة العدل».

وعندما تجاهل روزفلت التهديدات وتحرك لرفع دعوى مكافحة الاحتكار، تلقى زيارة عاجلة من بيربونت مورغان، رجل الأعمال الكبير، وقدم مورغان عرضا: «إذا كنا نرتكب أي خطأ، أرسل رجلك إلى رجلي ويمكنهما أن يصلحا الأمر معا». فأجاب روزفلت بنبرة تصميم بلا خوف: «لا يمكن أن يحدث هذا».

ولكن من المؤسف أن نقول إنه منذ أن بدأت هذه الأزمة في العام الماضي، كان مسؤولو وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي يسارعون بإرسال «رجلك إلى رجلي» لإصلاح الأمور عن طريق إبرام صفقات ملفقة في عجالة في عطلات نهاية الأسبوع. وكانت أكبر الشركات المالية ذات الثقة تهدد جهات التنظيم بالهلاك، وكان المنظمون يستسلمون لذلك، فلم يكونوا يريدون نموذجا آخر من ليمان براذرز، ولكن كان يجب على السلطات أن تبحث فيما إذا كان في إمكانهم، بدلا من الإفلاس، تفكيك الشركات العملاقة إلى أجزاء أصغر يمكن إدارتها ويمكنها الوصول إلى أداء التزاماتها المالية.

وكتب المؤرخ والتر لورد في كتابه الذي صدر عام 1960 «السنوات الجيدة»، عن مورغان والبلوتوقراطيين الآخرين: «هؤلاء الرجال ليسوا قساة بطبيعتهم، وهم لا يحملون نوايا سيئة، ولكنهم فقدوا قدرتهم على الاتصال، حيث أبعدتهم سعة أعمالهم وتعقيد شركاتهم عن موظفيهم والأشخاص الذين يخدمونهم». وهذا هو الوصف المثالي للمديرين في «سيتي غروب» و«ايه اي جي» والشركات العملاقة التي جلبت الأزمة المالية على رؤوسنا.

وقد تلقى فريق أوباما ثناء بسبب تقليده لما فعله فرانكلين روزفلت في مواجهة الكساد الكبير في الثلاثينات. ومع تزايد المطالبة بتأميم «سيتي» ومصارف أخرى عملاقة، ربما يتجهون إلى الخطوة التي خشي فرانكلين ذاته اتخذاها، ولكن ضخامة المؤسسات المالية، سواء كانت خاصة أو عامة، ليس هو الحل. ويتعلق التحدي الآن بكيفية إعادة بناء نظامنا المالي المنهار. ولنعطِ فرانكلين بعض الراحة، ونفكر في فلسفة تيودور التقدمية: عندما يتعلق الأمر بالمجال المالي، الأصغر بالفعل هو الأجمل.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»