استفادة المتطرفين الإسلاميين من عدالة «الكفار»

TT

حصل بابار أحمد (34 عاما) البريطاني المسلم من أصل باكستاني، على 60 ألف جنيه (100 ألف دولار) من بوليس لندن، مقابل تنازله عن الاستمرار هذا الأسبوع في قضية رفعها ضد البوليس بعد القبض عليه ثم إطلاق سراحه بعد أيام دون توجيه تهمة في ديسمبر (كانون الأول) 2005.

أحمد كان قد واجه اتهاما بشبهة دعم تنظيم القاعدة الإرهابي حسب معلومات من المخابرات الأمريكية ومخابرات أخرى، اتهم بدوره رجال البوليس بالاعتداء عليه جسميا وتوجيه السباب بألفاظ أهانته كمسلم.

استمر نظر القضية، على فترات متقطعة، لأربع سنوات لتعقيداتها وصعوبة جمع الأدلة، فهي محيرة لأي قاضٍ في موازنته شهادة أحمد وحده مقابل شهادات عشرة رجال بوليس وغياب الشهود المحايدين.

بدات الشروخ والتناقضات تظهر في شهادات رجال البوليس، واشتم المحامون ميل رياح تصديق القضاة نحو أحمد.

وتقليديا، مع غياب قانون مكتوب شامل، كحالة فرنسا مثلا، يصبح الحكم في قضية فريدة سابقة قضائية يستشهد بها المحامون والنيابة في المستقبل.

وعند نظر قضية تغيب فيها الأدلة المادية الدامغة، ويقتصر الشهود على الطرفين، يلجأ القضاة لموازنة الاحتمالات Balance of probabilities حيث يتبارى محامو الطرفين لإقناع القضاة بالاحتمال الأكثر واقعية لحظة ارتكاب الجريمة أو المخالفة.

يوم الأربعاء أعلن محامو البوليس قبولهم رواية المدعي وعرض موكلهم (حكمدار بوليس العاصمة السير بول ستيفنسن) التراضي بمبلغ 60 ألف جنيه، إذا قبلها أحمد كتسوية وإغلاق الملف من دون صدور حكم يصبح سابقة في حق البوليس. وهذا اعتراف من البوليس بخسارة القضية من دون إدراجها في السجلات الرسمية.

ولن أشغل القراء الأعزاء هنا بمقارنة بوليس لندن الذي اعترف بخطئه وقرار حكمداره بإيقاف مرؤوسيه عن العمل وتحويلهم للقضاء ببوليس البلدان الإسلامية (التي يريد إسلاميون كأحمد تحويل نظام الحكم في بريطانيا إلى نظامها) في التعامل مع المواطنين، وهل يعترف قائد شرطة بلد إسلامي بالخطأ؛ لكنها فرصة لدراسة التعقيدات التي سببها الاسلامويون المتطرفون في بريطانيا.

فقضية أحمد ضد البوليس تداخلت معها قضية أخرى سببها تقدم المسؤولين الأمريكيين عام 2004 بطلب لترحيله للمثول أمام محكمة أمريكية بتهمة دعم الإرهاب.

الملاحظ أن القاضي في قضية أحمد ضد بوليس لندن لم يخلط بين القضيتين، ورفض حتى مجرد الاستماع لمحامي البوليس بالطعن في شهادة أحمد، لمجرد أنه مطلوب للعدالة في أمريكا.

ولا يمكن ترحيل أي شخص، حتى ولو غير بريطاني دون أمر قضائي من المحكمة.

وهناك قائمة معتبرة لمتهمين تطلبهم أمريكا ولم ينجح محاموها، أو محامو الحكومة البريطانية (التي توافق واشنطن للتخلص من الاسلامويين المتسببين في مشاكل لا حل سهلا لها) في إقناع القضاء بقبول طلب أمريكا، سوي في حالة واحدة فقط في ثماني سنوات، هو المغربي الأصل زكريا موسوي الذي اعترف أمام المحكمة بضلوعه في التخطيط لاعتداءات 11 سبتمبر.

الباقي إما حر طليق، أو تحت الإقامة الجبرية في منازلهم، أو في السجون البريطانية، وهم أيضا يلجأون للقضاء من داخل السجون، كأبو حمزة المصري مثلا، وتستمر القضية لسنوات.

فالقضاء الانجليزي لا يصدر أمرا بترحيل شخص للمثول أمام المحكمة في بلد آخر إلا بعد اقتناع هيئة المحكمة بأن الإجراءات القضائية في البلد الذي يطلب محاكمة المتهم، في مستوى القضاء الإنجليزي وانه سيلقى محاكمة عادلة وألا يكون هناك أدنى احتمال بفقدان حياته بالقتل القانوني Judicial murder في بلد لا يزال يطبق عقوبة الإعدام (وبعض الولايات الأمريكية تطبق عقوبة الإعدام)، وحالة الأردني أبي قتادة المطلوب لمحاكمة في بلده بعدة تهم إرهابية، مثال على ذلك، كما عرضناها في مقال سابق في «الشرق الأوسط».

القضايا، التي يرفعها محامو الإسلاميين تمول كلها من ضرائب الشعب البريطاني. فكثير من هؤلاء الإسلامويين من دعاة العنف ليس لأي منهم وظيفة لكسب الرزق. القانون يتيح لأي شخص (بريطاني أو غير بريطاني) غير قادر ماديا، توكيل محامٍ تدفع الدولة أتعابه.

الأئمة الجهاديون يتلقون إعانة البطالة أو إعانة الشؤون الاجتماعية هم وأسرهم البالغ عددها أحيانا عشرون بأطفال كثيرين من زيجات متعددة، إلى جانب إيجار المنزل ومصاريف المأكل والملبس. بعض الاسلامويين مسجل في لائحة المعوقين، فتدفع الدولة ثمن شراء سيارة تتسع أفراد الأسرة، يصل ثمنها أحيانا لـ 70 ألف دولار، لتزويدها بأجهزة قيادة خاصة للمعوقين، يتم تجديدها كل عام.

وهذا يثير حنق الأسر الإنجليزية التي تعاني الفقر ولا تتلقى دعما يقارب دعم أسر الاسلامويين الذين يبررون عمليات الإرهاب التي تستهدف المواصلات العامة كما حدث في يوليو (تموز) 2005.

البريطانيون في حيرة بشأن التعامل مع الاسلامويين المتطرفين الذين عبثوا بعقول الشباب من أبناء المسلمين، خاصة الآسيويين الذين يجهلون اللغة العربية، لغة القرآن ولغة كتب الفقه واجتهادات المفسرين والفقهاء على مر العصور.

أئمة جهاديون كأبي قتادة وأبي حمزة، لا يذكرون في خطب الجمعة النارية المملوءة بكراهية غير المسلمين، أو في حلقات النقاش، أي شيء عن الجانب السلمي الروحاني من الدين الحنيف، ولا يكتفون فقط بإفهامهم أن «الجهاد» هو أهم أركان الإسلام، بل يفسرون «الجهاد» على انه إزهاق أرواح وسفك دماء الآخرين الذين يتم تكفيرهم على يد الإمام الجهادي.

الرأي العام، عبر الصحافة واستطلاعات الرأي، طالب بإغلاق غوانتانامو، لكن عددا من الذين غادروه، لعدم كفاية الأدلة، أو سلموا لبلدانهم الأصلية، التحق بصفوف الطالبان الذين يعيثون في الأرض فسادا على الحدود الأفغانية الباكستانية.

البريطانيون يتميزون غيظا بعد مظاهرة قبيحة لحوالي عشرين من الاسلامويين المتطرفين، حملوا لافتات بعبارات مهينة للانجليز وأفسدوا احتفالا لاستقبال جنود عائدين من العراق وأفغانستان؛ وكاد الإنجليز من أقارب الجنود الذين قتلوا في الحربين، أن يفتكوا بالمتظاهرين لولا حماية البوليس لـ«حريتهم في التعبير عن الرأي» (رغم رفض الاسلامويين لحرية الرأي أصلا).

الخطر الآن تزايد كراهية الانجليز للمسلمين، دون تمييز بين متطرفين أو مسلمين «في حالهم». والحل أن يتقدم البريطانيون المعتدلون من أصول عربية لإنقاذ الإسلام في بريطانيا من مخالب المتطرفين، وتمويل ترجمة كتب عصر التنوير في الأزهر (عشرينات القرن الماضي) للانجليزية وتوزيعها؛ وهذا حيث آخر.