الكويت: وش صاير؟

TT

اضطراب برلماني شديد، ضجر بالشارع وتلاسن بيني معيب وتدخل أميري حكيم.

هذا باختصار هو وصف بسيط للمشهد السياسي بالكويت اليوم.

الوضع السياسي بالكويت يعاني من خلل أساسي بات يهدد «وحدة البلاد» كما وصفه أمير الكويت في خطابه لشعبه، وهو يعلن فيه عن حل مجلس الأمة والإعلان عن انتخابات برلمانية جديدة.

ولكن هل من الممكن اختصار ما يحدث في الكويت على أنه مجرد تنافس بين تيارات سياسية مختلفة داخل البيت الواحد؟ الموضوع أهم وأكبر بكثير. هناك كم هائل من القلق والغضب والحيرة أصاب المواطن الكويتي على أكثر من صعيد، ومن الممكن القول إن تبعات الغزو العراقي لا تزال ظاهرة في أكثر من موضع بالتركيبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

الكويت التي كانت مضرب الأمثال في الحراك السياسي الإيجابي والحرية الصحافية والتألق الأدبي والثقافي والفني والإبداع الاقتصادي والاستثماري، تراجعت في كل هذه الأصعدة بلا استثناء. والحراك السياسي تحول إلى مهرجانات خطابية، وبات مجلس الأمة العتيد أشبه ببرلماني تايوان وإيطاليا، وتراجع الانفتاح الإعلامي المهم الذي كان موجودا ليصبح أدوات تصفية حسابات واستغلال مواقف، والفنون الكويتية تراجعت بشكل مخيف وحتما الريادة الاقتصادية التي كانت عليها تراجعت لصالح النمور الخليجية الصاعدة بقوة، والأداء الاستثماري لأول صندوق سيادي عرفته المنطقة عن طريق المكتب الكويتي للاستثمار تراجع بحدة بعد سلسلة الفضائح المالية التي أعلن عنها منذ زمن.

هناك «ردة» قوية في الكويت في الاتجاه المضاد للديمقراطية. في الكويت القبيلة أقوى من الوطن، والمذهب والطائفة أهم من الوطن، والإرث الاجتماعي أهم من الدستور، والتطرف والتشدد أهم من القيم الإنسانية والأنظمة والقوانين.

الكويت إلى الآن لم تستطع حل مشاكل البدون، وهي قنبلة موقوتة شديدة الحساسية, ولم تستطع ضمانة عاقلة لمشاركة سوية للمرأة في الحياة السياسية. الكويت عرفت تقليديا أنها بلد متوازن ولكن هناك تشددا في الخطاب الديني أخيرا بشكل «غريب» عليه وكأنهم يكتشفون الدين للمرة الأولى.

الكويت بلد صغير «نسبيا» فيما يخص عدد السكان ومع ذلك يذهلك كم التحزب والتعصب والانقسام على كل شيء. فمن كرة القدم بين القادسية والعربي إلى المواقف: سني وشيعي، حتى داخل الطائفة السنية هناك سلفية وإخوان، واجتماعيا هناك عرب وعجم ومواطنون وبدون إلى آخر ذلك.

الكويت أمام تحد هائل هو الانتقال من مفهوم «الديرة» إلى مفهوم المواطنة التي تكفل حقوق الكل تحت القانون. وداخل الأسرة الحاكمة نفسها هناك أمر مهم هو توحيد الصوت بينهم وعدم الإسهام في انقسام الشارع، لأن الأسرة الحاكمة لا تزال هي «الغراء» الوطني الوحيد مع الدستور الكفيل بتوحيد الكلمة ورأب أي خلاف.

إذا لم تحسم الكويت أمرها عن طريق صناديق الاقتراع وتعرف «شكل» الديمقراطية التي ترغبها وتقبل بكافة شروط ممارستها، فستكون المشاكل القادمة أخطر وأصعب من الغزو العراقي، لأن القادم قد يعني أن الهزيمة ذاتية الصنع. وهذا مؤلم.