حكام اليوم معارضة الأمس

TT

في العراق نحو ثلاثة آلاف شخص من منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة يسكنون في معسكر أشرف منذ الثمانينات. استضافهم نظام صدام آنذاك ردا على استضافة النظام الإيراني المعارضة العراقية، لكنه لم يسمح لهم بنشاطات عسكرية معادية لإيران بعد أن وقع اتفاق إنهاء الحرب.

وعندما احتل الأميركيون العراق، جمعوا المعارضتين حيث سلموا الحكم للمعارضة العراقية التي كانت تعيش في الخارج بما فيهم تلك التي كانت في ضيافة إيران، وأبقوا على مجاهدي خلق الإيرانية في معسكر أشرف.

لكن منذ أن تراجع دور الأميركيين في الإدارة السياسية للعراق في العام الماضي، ظهر على المسرح مستشار الأمن العراقي موفق الربيعي يتحدث عن طرد مجاهدي خلق ويهدد بتسليمهم للنظام الإيراني.

وكانت تصريحاته المتكررة تؤشر إلى مدى الرغبة في إرضاء النظام الإيراني الذي يعتبر مجاهدي خلق مشكلة سياسية وأمنية وإعلامية رغم أن معظم أفراد التنظيم لم يعودوا يمثلون تهديدا بسبب تقدم العمر بهم، ونزع أسلحتهم، ومحاصرتهم في معسكرهم.

ومن الواضح أن الربيعي يريد إرضاء الإيرانيين دون أن يحصل من الإيرانيين أي منع للنشاطات المعادية للعراق، مثل تدخلهم المستمر في الشأن العراقي بدعم المعارضة، وإفساد النظام السياسي بالأموال، والتدخل المتكرر، وكان آخره إسقاط طائرة تجسس بدون طيار إيرانية فوق الأراضي العراقية.

المفارقة أن حكام العراق اليوم كانوا في قريب مضى مثل سكان أشرف، كانوا معارضة يعيشون في المنافي. فالربيعي كان لاجئا في لندن، ورئيس الوزراء نوري المالكي كان لاجئا في سورية، والرئيس جلال طالباني كان في حماية القوات الأميركية في إقليم كردستان، وهكذا. والمؤسف أن تسمع مسؤولين في الحكومة العراقية اليوم يتحدثون كما كانت تتحدث حكومة صدام حيث لم تحترم العهود والمواثيق.

من حق النظام العراقي أن يبعد مجاهدي خلق حفاظا على حسن الجوار مع إيران، لكن فقط بعد تأمين مكان آخر لهم يمكن أن ينتقلوا إليه دون تعريضهم للخطر. ولأن رموز الحكومة هم أصلا لاجئون في يوم مضى، فإن واجبهم الأخلاقي مضاعف إما في حماية اللاجئين الإيرانيين، مع الاستمرار في منعهم من ممارسة نشاطهم السياسي، أو نقلهم بالتراضي إلى بلد آخر.

أما ما يطلقه الربيعي بين كل فترة وفترة من تهديدات بتسليمهم لإيران أو اتهامهم برشوة مسؤولين عراقيين للتخلص منهم، فإنه يسيء للنظام العراقي أكثر من أن يخدم محاولته للتخلص منهم. فما الفارق بين نظام صدام ونظام الربيعي الذي يقوم على التخويف وتلفيق الأدلة للخصوم ونقض العهود؟.

لقد عانت المعارضة العراقية في الخارج الكثير، وعانى الأكراد الكثير من الاضطهاد، ومن المخجل أن يتحول النظام العراقي الجديد، الذي يفترض أن يقدم مثلا لنظام يحترم الحقوق ويحمي المظلومين، إلى نظام يتاجر بمعاناة المضطهدين والمشردين.

إيران تريد من الربيعي أن يسلمها المعارضة لتعدمهم مع عشرات الآلاف من الذين أعدمتهم لأتفه الأسباب باسم حماية النظام على الرغم من أن مجاهدي خلق لم يمارسوا نشاطا عسكريا ضدها من وراء الحدود العراقية. وما الاتهامات الأخيرة إلا محاولة تبرير وتمهيد لعمل غير إنساني مقبل.

[email protected]