هل سفر البشير بحاجة إلى فتوى؟!

TT

هل كان الرئيس عمر البشير يحتاج إلى فتوى من هيئة الإفتاء السودانية لكي يعدل عن قرار السفر إلى الخارج؟ والإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى تمهيد، فالذين تابعوا خطاب الرئيس السوداني عمر البشير في الأيام الماضية، وتحدياته للمحكمة الجنائية، وإصراره على السفر، كانوا يدركون أن تحديات الرئيس لا تتسم بالواقعية، فليس في مقدور الرئيس الأعزل، المسافر على طائرة مدنية أن يفعل شيئا إن اعترضت طريقه أية قوة عسكرية في الجو، فمن غير المعقول أن يسافر الرئيس بصحبة أسراب من القوات الجوية السودانية، لذا كان الجميع على يقين بأن الرئيس سيستشعر الخطر، ويتراجع عن إصراره على السفر، لكن لم يدر في ذهن أي منهم هذا المخرج الذكي، الذي تمثل في إصدار هيئة الإفتاء السودانية فتوى بعدم سفر الرئيس إلى الخارج، واستحلاب التاريخ لربط هذه الفتوى بعدم سفر سيدنا أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ إبان حروب الردة، وهو مخرج يتسم بالدهاء، والذكاء، والعبقرية، ويوفر للرئيس المبرر المطلوب للتراجع عن قرار السفر دون حرج، فالرئيس هنا يخضع لفتوى العلماء، ويقتضي الأمر احترام الفتوى، وعدم الخروج على ما أجمع عليه علماء البلاد، وفي تقديري أن هيئة الإفتاء السودانية قد أمدت الرئيس بالمبرر، الذي لم يخطر ـ ربما ـ على باله، وبال الآخرين، وفي هذا التوضيح إجابة عن سؤال: هل كان الرئيس عمر البشير يحتاج إلى فتوى من هيئة الإفتاء السودانية لكي يعدل عن قرار السفر إلى الخارج؟ فالرئيس كان يحتاج حقا إلى فتوى لكي يتراجع عن قراراته من دون أن يبدو متناقضا مع تصريحاته، وتحدياته.

قد لا يستحق الرئيس البشير هذا الموقف من المحكمة الجنائية الدولية، لكنه للأسف تعامل مع هذه القضية منذ البدء بلغة التحدي لا لغة التفاهم، وأسلوب التصعيد لا أسلوب التهدئة، مستسلما لحدته، وغضبه، وانفعاله، فظل يصب المزيد من الزيت على النار، عبر استخدام قاموس هائل من مفردات التحدي، التي تفتقر المرونة، والدهاء، ولم يزل حتى اللحظة يعمل على تصعيد الغضب العالمي بإشعال المزيد من الحرائق عبر طرد منظمات الإغاثة الإنسانية، الأمر الذي يصعب على الأصدقاء أية محاولة لإنقاذه. ولله الأمر.

[email protected]