اقتراحات متأخرة

TT

منذ أن صدرت مذكرة التوقيف الدولية في حق الرئيس السوداني عمر البشير وهناك كل يوم حدث ما: طرد العاملين الدوليين والترحيب بالمساعدات نفسها، شرط أن تترك في المطارات السودانية ومن هناك يوزعها عاملون سودانيون. الرئيس السوداني يلقي كل يوم خطابا في منطقة ما، غالبا بالزي التقليدي لأهل المنطقة، بما فيه الريش الجنوبي الملون. الحكومة تفرج عن الدكتور حسن الترابي، مع أن المسألة لا علاقة لها بدارفور.

الحقيقة أن كل ما قيل وكل ما تم وكل المظاهرات وكل الخطب الغاضبة وكل الجولات المستجدة، تجنبت المشكلة الأساسية وهي مأساة سودانيي دارفور. فالسيادة التي يمثلها الرئيس، لا علاقة لها بالوضع المأساوي لملايين المواطنين. وكرامة السودان الأولى والأخيرة هي في رد الفاقة والتشرد والآلام والأمراض عن ملايين الناس، وليست في طرد المساعدين الدوليين بحجة أنهم يسيئون استخدام المعونات. ثم إن الكرامة لا تقسم: إما أن ترفض المساعدات كليا أو لا ترفض، وليس أن تتركها في المطارات ثم تجمعها أيد سودانية. ومن البديهي أنه ليست هناك مؤسسات سودانية أهلية مؤهلة لذلك، ولا من الممكن أن توكل هذه المهمة إلى الجنجاويد الذين يعرفون أكواخ دارفور ومخيماتها تمام المعرفة.

لقد ضاعت القضية الحقيقية في الصخب والغضب. والقضية لم تتغير منذ اليوم الأول. واليوم الأول ليس يوم صدور المذكرة في حق رئيس السودان بل يوم طفق ألوف الخيالة المرعبين والسفاكين يشردون عشرات آلاف المواطنين ويقتلونهم ويسرقون مواشيهم ويطردونهم إلى بلدان أخرى.

تلك هي المسألة التي تحتاج إلى علاج: إقامة المصالحة مع أهل دارفور ومحاكمة المسؤولين عما حل بهم ـ وبسمعة السودان ـ والبحث عن أسرع السبل لإعادة المشردين وتطمين الخائفين ونشر الجيش السوداني ـ وليس زمر وعصابات الجنجاويد ـ لإعادة الاطمئنان إلى الحكومة المركزية.

كل هذه الحروب مع القرارات الدولية لا تجدي. كلها حروب خارج الموضوع وبعيدا عن القضية. فالمسألة الأهم هي استرداد دارفور إلى السودان وإعادة عشرات آلاف الخائفين من تشاد والاستعانة بكل من استطاع لتخفيف عبء الكارثة على الملايين بدل طرد المسعفين وتعريض البشر للمزيد من العذاب.

هكذا يكون الرد على مذكرة كان يمكن تجنبها بتسليم بعض مسؤولي «الشؤون الإنسانية». أو بعض قادة الجنجاويد. ولو ملثمين.