أشعب الحزين

TT

يمكننا أن نضيف لأشعب الطماع صفة أخرى فنقول أيضا أشعب الحزين. فقد كان كمعظم الفكاهيين والساخرين والمهرجين يعيش في غمامة من الكآبة والضيق. قال يوما: «يطلبون مني نوادر تضحك الملوك، ثم يعطونني عطاء يبكي العبيد!». وتحدث عن سيرته وسوء نصيبه من الحياة فقال: «نشأت أنا وأبو الزناد في حجر عائشة بنت عثمان، فلم يزل يعلو هو وأنا أسفل حتى بلغنا هذه المنزلة». يظهر من الحكاية أن أمه لم تتعهد به فتركته لرعاية الغرباء، مما يفسر سوء علاقته بها. جاء في كتاب «الأغاني» أنها بغت فضربت وحلقت وحملت على جمل وطيف بها. وقد أشرفت امرأة عليها فقالت: «يا فاعلة نهانا الله عز وجل عن الزنا فعصيناه. ولسنا ندعه لقولك وأنت محلوقة مضروبة راكبة على جمل يطاف بك!».

ومن مداعباته السوداوية معها أنه حدثها ذات يوم عن رؤيا حلم بها في المنام وقال لها: «حلمت بأنك كنت مغطاة بالعسل وكنت أنا مغطى بالغائط». فقالت له: «ويلك! هذه كلها ذنوبك غطاك الله بها».

وهذا حلم ربما يجد مريدو فرويد ما يقولونه بشأن حلمه الآخر حين حدث أصحابه عن حلم عجيب مر به فسألوه. فقال: «حلمت أنني كنت أحمل كيسا مثقلا بالمال واتسخت من ثقله ثيابي. وعندما استفقت وجدت ثيابي ملوثة حقا ولكن لم أجد المال!».

لم يرد ذكر فيما قرأته عن أشعب الطماع الحزين بشأن علاقته بوالده أو زوجته، لكنه قال: «اطلبوا لي امرأة اتجشأ في وجهها فتشبع، وتأكل فخذ جرادة فتتخم»! ولا نملك غير أن نقول: الله يساعد زوجته. ولكن كان له ولد اعتاد على اصطحابه للولائم. وحدث أن لاحظ ابنه يشرب كثيرا من الماء في إحدى هذه الولائم السخية فلكزه ونبهه: «تملأ بطنك بالماء وأمامك كل هذا الأكل اللذيذ يا غبي!»، فأجابه ابنه: «كلا يا أبتي! إنما أشرب الماء لأزيح ما أكلت من طعام وأفسح المكان لطعام آخر». تأمل أشعب في هذا الجواب ثم لكز ابنه ثانية: «يا لعين! تعرف هذا و لا تقوله لي»!

وهي طريفة من أظرف ما سمعته عنه وتجسم ظاهرة الجوع بأفجع صوره. وقد ورد عنه في الأغاني أن صبيان المدينة قد ضايقوه يوما فحاول التخلص منهم، فقال لهم هناك عرس في الموضع الفلاني. فتركوه وهرعوا إلى العرس. ولكنه ما لبث أن أخذ يصدق ما قاله فراح يجري وراءهم.

وقد عاش طويلا فنسك وغزا وأجاد تلاوة القرآن وربما صلى بالناس القيام. كان له صوت رخيم وأجاد الغناء حتى أن المغني الشهير معبد كان يعتبره مصدرا يستشار في الغناء.

www.kishtainiat.blogspot.com