الاندفاع نحو الاختيار الخاطئ

TT

لقد كانت الأيام القليلة الماضية رابحة بالنسبة إلى الديمقراطيين والجمهوريين المخلصين، ولكن ماذا عن بقيتنا؟ أنت تعرفهم. الأميركيون الذين لا يعتقدون أولا أن إنفاق تريليونات غير موجودة هي الطريقة التي نتغلب بها على أزمة اقتصادية، أو ثانيا أن راش ليبمو هو المنقذ المنتظر.

انتظر، هذا صحيح، باراك أوباما هو المنقذ. في بعض الأحيان أشعر بالارتباك مع كل هذا المديح المبالغ فيه الذي يحدث. لقد جاء خطاب ليمبو، الذي ألقاه لمدة 85 دقيقة في مؤتمر العمل السياسي المحافظ في نهاية الأسبوع الماضي، على طريقة أوباما، إن جاز التعبير. قاطعه تصفيق متكرر من الجمهور، الذي كان يضم بين أفراده قليلا من المشاهير، ولكن أينما كان هناك مديح مبالغ فيه يجب أن تكون هناك وصف بالشر، لذلك قال راش للحاضرين إن أوباما في جوهره هو ستالين، ووصف أوباما، عن طريق رئيس موظفيه رام إيمانويل، ليمبو بأنه زعيم الحزب الجمهوري، مطلِقا عليه «الصوت والقوة الفكرية والطاقة التي تكمن خلف الحزب الجمهوري».

ونتحدث هنا عن اللعنة مع الإطراء. لم يكن راشبو (الاسم الذي يطلق على راش ليمبو) ليعبأ كثيرا، على الرغم من احتجاجه على افتراء البيت الأبيض عليه لصرف نظر الأميركيين عن «الاقتصاد المنهار». ولكن هل هناك أفضل لأي متحدث من أن يختاره رئيس ليكون جديرا بالخصومة؟

على الأقل يجب أن يتفق الطرفان في النهاية على أمر واحد، أن سياسة النزاهة فكرة مريعة! من الذي يريد التعليق العادل المتوازن سياسيا على موجات الإذاعة، عندما يكون هناك ظلم عليه أن يبقي كلا الجيشين في عرباتهما العسكرية؟

ولكن في الوقت ذاته يشبه الكيان السياسي عابرة محيطات ألقت بها العواصف وانطلق الركاب مسرعين فوق سطحها وهي تميل بهم. في أحد الجوانب يقف الرئيس واعدا ببناء سفينة جديدة تتكلف 3,6 تريليون دولار، وفي الناحية الأخرى يقف راشبو متشبثا باللوحة المحافظة المنقوش عليها: يجب ألا تزيدوا الضرائب.

قد يكون هناك مضيق صغير بين هذين الخليجين يستطيع فيه المنهكون إثر العاصفة إراحة مجاديفهم. لا تفكر في هذا مطلقا، لقد حاول مايكل ستيل، رئيس اللجنة الوطنية الجمهورية الجديد، إدخال بعض الهدوء على المناقشات، وسريعا ما أدرك أن انتقاد صاحب العلم غير المحدود خيانة عظمى يكون عقابها الإذلال العلني. وبعد أن صرح ستيل في حوار بأن راش أحيانا يكون «قبيحا» و«مثيرا للفتن»، قام مذيع البرنامج الحواري بوصلة من التوبيخ على الهواء مدتها 20 دقيقة ليعرّف ستيل أنه، راشبو، هو الناقد صاحب الكلمة في المكان. وقال: «لماذا تدعي أنك تقود الحزب الجمهوري عندما يبدو أنك تريد أن ترى أوباما ينجح؟ بصراحة، لقد دهشت لأن رئيس اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري صادق على هذه الأجندة. وعليّ أن أستنتج أنه يفعل هذا، حيث إنه يهاجمني لرغبتي في أن تفشل».

يجب أن تكون الحرب التي نشاهدها الآن مألوفة بعد ستة أعوام في العراق. وبينما يحارب المتمردون من أجل السيادة في بيئة غير مستقرة، يحقق أوباما فوضى في معسكر الأعداء، وذلك بمعنى أن ليبمو ليس مخطئا وكذلك ستيل، على الرغم من أنه اعتذر. وسيغرق الحزب الجمهوري ما دام النقد قد ظل في اعتقاده كفرا، في الوقت الذي يهرع فيه المزيد من الأشخاص العاقلين إلى قوارب النجاة.

وإذا لم يكن أي من ليمبو أو ستيل زعيما للحزب الجمهوري فمن يكون إذن؟ تبدو الإجابة واضحة: إنه ميت رومني.

من الصعب أن نقول «ميت رومني» دون أن نرغب في قول «ميت المسكين». إنه مثل الصبي الهادئ المهذب الذي يظل رافعا يده ليعطي الإجابة الصحيحة، وواجبه المنزلي مرتب في حقيبته، ولكن المعلم مشغول للغاية بالمشاكسين عن الالتفات إليه.

حسنا، نعم، كان رومني في مؤتمر العمل السياسي المحافظ أيضا، وقد ألقى خطابا، بل وفاز بالتفضيل الرئاسي في الاقتراع غير الرسمي، ولثالث مرة على التوالي. ولكنه خرج من الإطار في الأيام القليلة الماضية، ولسبب وجيه. إنه يدون ملاحظاته ويعيد التزود بالأدوات ويحلل وينتظر. فلتقارن بين خطابَي رومني وليمبو، وسترى من هو زعيم الحزب الجمهوري الحقيقي. وفي حين يرغب ليبمو أن يدمر ويحرق يريد رومني أن يبني ويصلح، وفي الوقت الذي يريد فيه ليبمو أن يفشل أوباما، يريد رومني «أن تنجح بلادنا بغض النظر عمن يحكمها. نريد أن تصبح أميركا مزدهرة وآمنة، بغض النظر إلى من ينسب الفضل.. في الأوقات الجيدة والعصيبة تأتي مصالح هذه الأمة العظيمة أولا».

الرجل الأول مذيع سياسي مسلّ يثير الحشود، والآخر زعيم معتدل متفائل له سجل عملي مليء بالنجاح. ولا يجب أن يخلط أحد بين الاثنين، على الرغم من أن أوباما يرجو بالتأكيد أن يخلط الجميع بينهما.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»