صناعة الأفلام العلمية.. متى سنتقنها؟

TT

الأفلام العلمية أحد أهم وسائل التعليم غير الرسمية المهمة في تبسيط وفهم العلوم للطلاب وتنمية الوعي العلمي لدى عامة الجمهور، وكذلك إبراز الحياة العلمية للعلماء ودورهم المهم في قيادة وتقدم وسعادة البشرية.

وتعد هذه الأفلام صناعة مهمة وجادة في الدول المتقدمة، بينما في عالمنا العربي لم نتقن بعد هذه الصناعة رغم ضرورتها وأهميتها، وبخاصة مع التطورات العلمية والتكنولوجية الحالية السريعة والمذهلة التي تتطلب استنفار كافة طاقات المجتمع واستخدام جميع الوسائل والأساليب التعليمية غير التقليدية التي من شأنها المساعدة في فهم وتقدير هذه الإنجازات العلمية وتبسيط المواد العلمية وتحويلها إلى مشاهدات ولقاءات مرئية ممتعة.

ففي الدول المتقدمة تحتل صناعة الأفلام العلمية مكان الصدارة بين قائمة أساليب التعليم غير الرسمية لنشر الوعي العلمي في جميع أوساط المجتمع، حيث ينفق عليها ملايين الدولارات، ويقوم بتقديمها علماء بارزون لديهم القدرة على تبسيط العلم واتجاهاته الحالية والمستقبلية، حيث يعرضون مشاهد مرئية ولقاءات علمية من داخل معامل ومراكز الأبحاث العلمية في جميع دول العالم، فعلى سبيل المثال عالم الفيزياء النظرية الأميركي «ميتشيو كاكو» Michio Kaku، - وموقعه على الإنترنت للاستزاده (http://mkaku.org)- الشهير عالمياً بتبسيطه للعلوم Popularizer of Science وتأليفه للعديد من الكتب العلمية الأكثر مبيعاً، منها كتاب «رؤى المستقبل: كيف سيغير العلم حياتنا في القرن الواحد والعشرين»Visions : How Science Will Revolutionize The 21st Centuryعام 1998، وكتاب «فيزياء المستحيل» Physics of the Impossible عام 2008، هذا العالم له العديد من البرامج والأفلام العلمية الجادة، حيث يقدم برنامجاً علمياً شهيراً يبث بالإذاعة لمدة ساعة أسبوعياً في جميع أنحاء الولايات المتحدة، كما يقدم برنامج 2057 على قناة ديسكفري (الاكتشاف) الأميركية Discovery Channel، كما قدم لقناة الـ« بي بي سي» BBC البريطانية سلسلة علمية مهمة على مدى ثلاث حلقات لمدة ثلاث ساعات (بمعدل ساعة لكل حلقة) بعنوان «رؤى المستقبل» Visions of the Future، تضمنت مشاهد مرئية ولقاءات علمية من داخل معامل ومراكز الأبحاث العالمية عن أهم ثلاثة اتجاهات علمية حالياً وآفاقها المستقبلية وهي: التقنية الحيوية (البيوتكنولوجي)، والنانوتكنولوجي (التقنيات متناهية الصغر)، والروبوتات.

لقد أصبح هناك ضرورة عاجلة الآن أن تحتل صناعة الأفلام العلمية الجادة مكان الأهمية والصدارة ضمن أولوياتنا – وبخاصة في فضائياتنا المتزايدة – كأحد أساليب التعليم غير التقليدية المهمة في نشر الوعي العلمي بين الطلاب وعامة الجمهور، التي قد تسهم مع غيرها من الأساليب في معالجة ظاهرة عزوف الطلاب عن الالتحاق بالدراسات والأقسام العلمية التي تعد ضرورة مهمة في العصر الحالي، على أن يقوم بإعداد وتقديم هذه الأفلام علماء بارزون، ممن لديهم الاستعداد والقدرة على تبسيط العلم وإجراء حوارات ولقاءات علمية من داخل معامل ومراكز الأبحاث المنتشرة في عالمنا العربي، حتى لو تطلب الأمر السفر للخارج لإعداد هذه الأفلام - كما يحدث بالدول المتقدمة - لإجراء لقاءات علمية من داخل معامل ومراكز الأبحاث مع أبرز العلماء في مجالات هذه الأفلام، كما يمكن إجراء مسابقات في إعداد أفلام علمية للكشف عن الموهوبين والمبدعين من علمائنا والمهتمين بهذه الصناعة ولديهم المقدرة والكفاءة العلمية والرغبة في بتبسيط العلوم، فمن شأن هذه المسابقات أن تحفز الطلاب والجمهور على الاهتمام بالعلم وتقدير جهود العلماء ودورهم في تقدم البشرية، وبالتالي المساهمة في تفعيل الترابط بين ما يحدث في الجامعات ومراكز البحوث والمجتمع. فعلى سبيل المثال تعد التوعية العلمية بتقنية النانوتكنولوجي (التقنيات المتناهية في الصغر) Nanotechnology التي تعد حديث العالم اليوم، ضرورة مهمة الآن بين جميع فئات المجتمع، حيث يمكن التعريف بهذه التقنية وآفاقها الواعدة في الحاضر والمستقبل، من خلال أفلام علمية جادة تنقل ما يدور خلف جدران معامل ومراكز البحوث العلمية من جهود علمية، على أن يعدها ويقدمها علماء متخصصون، وتكون مصحوبة بمشاهد مرئية مع لقاءات وحوارات علمية من داخل معامل ومراكز الأبحاث العلمية في عالمنا أو في الدول المتقدمة، ولا شك أن هذه الأفلام العلمية عن هذه التقنية الواعدة، سوف تنعكس إيجاباً على مستوى مشاركة الطلاب والجمهور في هذا المجال، فسوف تشجع أبناءنا والمستثمرين العرب للتعرف عن قرب والدخول إلى هذا المجال العلمي الحديث والمدهش والواعد في الحاضر والمستقبل.

* كاتبة وباحثة مصرية في الشؤون العلمية