هل توجد ليبرالية متطرفة؟

TT

وجود إسرائيل في فلسطين ليس له بعد ديني، والذي حصل أن اليهود وجدوا أن أنسب بقعة على وجه الكرة الأرضية لتأسيس وطن لهم هي فلسطين، فحصل الاحتلال الإسرائيلي، هذا ما أدلى به كاتب عربي أخيرا, وهذا التبسيط في تفسير الاحتلال الصهيوني لفلسطين يذكرني بطريقة (حادي بادي) الطفولية البريئة، التي يستخدمها الأطفال في اختيار واحد منهم للبدء باللعب، وهكذا وبكل بساطة اجتمع زعماء اليهود في العالم وطبقوا (حادي بادي) على خريطة العالم، فاختاروا فلسطين لتكون وطنا لليهود المشتتين في أنحاء العالم.

هذا الكاتب, ومن شدة مخاصمته للتوجه الديني تحسس من أي شيء له علاقة بالدين حتى ولو كانت حقائق، فنفى الباعث الديني في احتلال إسرائيل لفلسطين، وهذا الطرح «المتطرف»، الذي يتنافى مع الحقائق الدينية والسياسية، من شأنه أن يخلخل الروح الجهادية في الصراع مع إسرائيل، الذي ظل وقود المقاومة الفلسطينية بكل توجهاتها حتى الليبرالية منها، بل كان سر صمودها أمام الجبروت الإسرائيلي، فحققت المقاومة الفلسطينية بسبب هذه الروح الجهادية المتوثبة انتصارا صموديا أربك الحسابات الإسرائيلية والغربية، وأدخل الوجود الإسرائيلي في فلسطين ولأول مرة في دوامة الاستفهامات.

الطريف أنني وجدت أخيرا، بالصدفة خبرا له علاقة وثيقة برأيه حول إسرائيل، نشرته صحيفة «الاندبندنت»، قالت فيه: إن جنديا إسرائيليا قدم شهادة ضمن تحقيق قال فيه: إن الكثير من رفاقه الجنود يعتقدون أنهم يخوضون «حربا مقدسة» ضد الفلسطينيين، وهي شهادة استهدفت توضيح الدور الذي يقوم بها حاخامات الجيش الإسرائيلي خلال العمليات العسكرية الأخيرة في غزة، وقال الجندي في شهادته: إن مضمون الرسالة كان «واضحا» في الأدبيات التي كانت توزع على الجنود من الحاخامات، وكانت تقول: «نحن الشعب اليهودي، وقد جئنا إلى هذه الأرض بمعجزة، وأن الله جاء بنا مجددا إلى هذه الأرض، وبات علينا الآن أن نحارب «الأغيار» ونطردهم، لأنهم يقفون في طريق سيطرتنا على هذه «الأرض المقدسة»، وهكذا يعزز الليبراليون الإسرائيليون البعد الديني في صراعهم مع العرب، وبعض ليبراليينا يريدونه نزاعا عاديا على أرض.

اللييبرالية مثلها مثل أي توجه بشري ديني أو دنيوي، فيها المتسامح والمتطرف، فالليبرالي الذي ينتقد بموضوعية المقاومة الفلسطينية الإسلامية بسبب تسببها في الهجمات الإسرائيلية على غزة، وهو رأي أشار إليه هذا الكاتب، لا يمكن أن يوصم بالتطرف، لكن الكاتب الليبرالي الآخر، الذي حث إسرائيل صراحة على القضاء على متطرفي حماس، وأن على الجيش الإسرائيلي أن يقتلهم بددا ولا يغادر منهم أحدا، فوصف «متطرف ليبرالي» هو أهون وصف يطلق عليه.

هذا الكاتب وهو ينفي عن نفسه تهمة «التطرف الليبرالي»، بل ينفي وجوده أصلا، طرح رأيا آخر متطرفا، حين قال بأن من الخطأ الرجوع للعلماء في الفتوى، بل يجب على كل أحد (أي أحد) أن يفتي نفسه بالرجوع إلى ما يرجع إليه العلماء والمفتون، ولكم أن تتخيلوا لو أن الناس تحولوا كلهم إلى مفتين، أي فوضى سيقودنا إليها هذا الرأي «المتطرف»؟ وكيف سيكون حال التطرف الديني والإرهاب لو أننا ألغينا مرجعيات الفتوى في العالم الإسلامي، وحظرنا على الناس استفتاء أي عالم؟ أرأيتم أن التطرف الليبرالي له علاقة «سبب ونتيجة» مع التطرف الديني؟

[email protected]