أبو الطيب أوكامبو!

TT

منذ قرار المحكمة الجنائية الدولية إيقاف الرئيس السوداني، على خلفية أزمة دارفور، لم تتوقف ردود الفعل الصاخبة من الخرطوم، وهي ردود فعل تشير إلى أن النظام السوداني لم يكن يستوعب البتة عواقب ما ينتظره.

من ضمن ردود الفعل المضطربة، تلك الفتوى التي صدرت عن هيئة علماء المسلمين في السودان، وتحظر على الرئيس البشير السفر إلى الدوحة لحضور القمة العربية، مقدمين مبررات ومسوغات مستفزة. فقد حذر القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، الدكتور علي جريشة، الرئيس البشير من السفر للدوحة، لأن الحفاظ على النفس من أهم الضرورات التي ركَّز عليها الإسلام، قائلا «أجمع علماء الإسلام على الضرورات الخمس، والحفاظ على النفس هي الضرورة الثانية بعد الحفاظ على الدين».

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: أين أهل هذه الفتوى مما حدث ويحدث في دارفور؟ أين هم من إصدار فتوى توقف تلك الأزمة غير الإنسانية التي عرضت بالأرواح والأنفس التي كرم الله؟

إلي هذه الدرجة انحدر مفهوم الفتوى، ولهذه الدرجة انغمست الفتوى في السياسة؟ كم هو أمر محزن بحق، فالعام الماضي خرج لنا من أفتى بعدم جواز مقاطعة القمة العربية في دمشق، واليوم يخرج لنا من يفتي بعدم جواز سفر البشير للدوحة!

الطريف هنا أن هيئة علماء المسلمين السودانية قد سارت على نسق المحكمة الدولية في حظر السفر على الرئيس السوداني؛ فتلك تمنعه لأنه مطلوب، وهذه تمنعه خوفاً عليه، ويا لها من مفارقة.

والأمر لا يقف هنا، بل من أجل أن نفهم الخلل في إدارة الأزمة، أو إدارة الصراع في الخرطوم، في ما يختص بأزمة دارفور والمجتمع الدولي، يكفي التوقف عند تصريح واحد لمسؤول سوداني. فها هو وزير الدولة للشؤون الإنسانية أحمد هارون، الذي تتهمه المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب في دارفور، يقول إنه غير قلق من المحكمة، ودائماً ما يتمثل ببيت «أنام ملء جفوني عن شواردها.. ويسهر أوكامبو جراها ويختصم».

ومن هنا نفهم لماذا تجاهلت الحكومة السودانية عشرين قراراً دولياً في خمس سنوات، فالإخوة هناك يعيشون على زمان أبي الطيب المتنبي، وهكذا يرون الرد المناسب على محكمة دولية، وعلى مدّعٍ عام اسمه أوكامبو!

المحزن والمزعج هنا هو: هل بهذه العقلية كان يدار السودان وأهله وصراعاته التي أودت بحياة قرابة المليوني سوداني في حروب مختلفة، ناهيك عن المهجرين، من أبناء دارفور، وغيرهم، طوال سني «الإنقاذ»؟

وعليه، فإن القناعة تترسخ يوماً بعد يوم في ذهن المراقب بأن الحل لأزمة السودان اليوم هو في يد النظام وحده، فلن يكون بمقدور أحد مساعدتهم طالما يرون الأمور بهذا المنظار، الذي يبين أنهم أبعد ما يكونون عن فهم التعقيدات الدولية.

وما دام الوزير هارون يجيد لغة المتنبي، فليته يتذكر أن في نفس قصيدة المتنبي لسيف الدولة بيتاً يستحق أن يتمثل به المرء أيضاً وهو: «شر البلاد مكان لا صديق به.. وشر ما يكسب الإنسان ما يصم».

[email protected]