ذهبت وبكيت مع أنه لا أحد هناك!

TT

عيد الأم. أي عيد من له أم.. فهي مناسبة أن يقبل يديها وخديها وقدميها ويقول لها: ألف شكر..

ثم يقدم لها باقة من الورد. ستكون الأم سعيدة وأبناؤها أيضا.

ذهبت أقرأ الفاتحة على روح أمي ـ يرحمها الله ويسكنها جناته ـ وأنا أعلم علم اليقين أنها ليست هناك.. ومنذ سنتين فتحت قبر أمي لأرى ماذا بقي.. ووجدت قطعة طويلة من العظام. بكيت كثيرا وندمت أنني فتحت قبرها. ولكن أريد أن أعرف. وندمت مرة أخرى على سخافة الحرص على المعرفة..

ذهبت.. وفتحت الباب وجلست. وراحوا يكنسون الضريح ويغسلون الأرض ويرشون الماء على العشب. وفتحت المصحف الشريف وقرأت. وأكملت القراءة دون أن أفتح المصحف فقد بللته دموعي. وأنا لا أعرف لماذا أبكي. ما الذي أبكيه.. أبكي عليها أو على نفسي أو على كل الذين ماتوا.. الأخوة والأصدقاء والصديقات. وما جدوى البكاء؟ ولا حاجة.

إذن لماذا أبكي؟ لا أعرف ولا أستطيع أن أوقف دموعي على خدي وعلى الورق وعلى الأرض ولا أن يكون بكائي نشيجا. وأكذب لو قلت إنني لم أحاول. حاولت. ولكن دموعي أقوى وحزني أعمق ويأسي أشد. ووجدت أنني في الفراغ اللانهائي.. فلا أحد أراه يمينا أو شمالا أو حتى إذا أغمضت عيني.. لقد فرغت دنياي من كل حبيب.. سجين أنا في دنيا واسعة لا حدود لها ولا ملامح ولا طول ولا عرض ولا معنى. وأنا طفل ذهبت إلى ضريح جدي وحاولت أن أدخل إلى قبره وأشكو أمي أنها تضربني كثيرا. وكان الناس يضحكون. لولا أنني لا أريد أن يقال إنني جننت في أحد الأيام لقفزت إلى قبر أمي.. وبيدي أغلقته علي!