الظريف.. والسمكة

TT

كثيرا ما لاحظت أن الطرائف الجوعية، سواء وردت شعرا أم نثرا، ترتبط بأكلات السمك. لا بد أن تكون لذلك دلالته. وكان من أظرف ما سمعته منها قصيدة صديقي زاهد محمد زهدي ـ رحمه الله ـ عن أكلة السمك المعروفة بالصيادية. وللعراقيين طرائف كثيرة ترتبط بأكلة السمك المسقوف. ومنها قصة قصيرة كتبتها عن شعوبي ووليمته من المسقوف. وقد أورد الكثير من ذلك أحمد محمد الحوفي في كتابه الموسوعي القيم «الفكاهة في الأدب». و منها حكاية غندر الذي جاء لبيته بسمك وطلب من امرأته أن تطبخه وذهب لينام. وفي نومه أكل الأهل كل ما جاء به وطبخوه ثم لطخوا يده بالسمك. وعندما استفاق سألهم عنه فقالوا لقد أكلته. قال كيف؟ قالوا شم يدك. ففعل فاشتم رائحة السمك فقال: «صدقتم ولكنني ما شبعت»!

وهي حكاية عجيبة أن يدفع الجوع امرأة لتحتال على زوجها فتأكل ما جاء به وتحرمه منه. تنازع البقاء!

كذا كان الحال مع صاحبنا أشعب الطماع في طمعه بالسمك. جاء في «العقد الفريد» أنه شاهد جماعة من أهل المدينة منغمسين في مأدبة سمك فسلم عليهم واستأذنهم بمشاركتهم. فقال أحدهم لأصحابه، إن من عادة أشعب أن يبسط يده إلى أحسن الطعام فاجعلوا الحيتان الكبيرة بعيدة عنه، ليأكل من صغار السمك. ففعلوا. فلما انضم إليهم سألوه: كيف رأيك في الحيتان؟ فقال إن لي عليها حقدا شديدا لأن أبي مات في البحر وأكلته الحيتان. قالوا له: هلم خذ بثأرك منها. فجلس ومد يده إلى حوت صغير، ثم وضعه عند أذنه، وقد نظر إلى الجهة التي فيها الحيتان الكبيرة في ركن المائدة وقال: «أتدرون ما يقول هذا الحوت الصغير؟» قالوا لا. قال إنه يقول: «إنه لم يحضر موت أبي. ولا أدركه، لأن سنه يصغر عن ذلك». وقال لي: عليك بتلك الحيتان الكبيرة التي في ركن المائدة، فهي التي أدركت أباك وأكلته».

وفي مناسبة وحكاية سمكية أخرى، قيل إنه فاجأ بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهمكين في وقعة من السمك اللذيذ. فسألهم ماذا تأكلون؟ حاولوا تفادي مشاركته فأجابوه قائلين: «سمكا مسموما». فشمر عن يمناه وانقض على الطبق وهو يقول: «بعد فقد صحابة رسول الله، لا تحلو الحياة لأحد». فجلس ومد يديه والتهم ما كان على الطبق من السمك.

ولكن نهم أشعب لا يتوقف على السمك فقط. فقد ورد في «فوات الوفيات» أنه أفطر في رمضان مع زياد بن عبد الله الحارثي. فجاءوا بمضيرة، وهي أكلة لحم مطبوخ باللبن الحامض، فقال للخادم ضعها بين يدي فوضعها فأمعن فيها أشعب والحارثي ينظر ويعاين، فلما فرغوا من الأكل قال المضيف: «ما أظن لأهل السجن إماما يصلي بهم في هذا الشهر، فليصل بهم أشعب». فأجابه هذا قائلا: «أصلحك الله، وأحلف بالطلاق ألا أذوق مضيرة بعد اليوم». فاستغرق زياد بن عبد الله في الضحك.

www.kishtainiat.blogspot.com